لغز الترويج لرياض سلامة؟
} بشارة مرهج*
بدلاً من أن يقوم وزير المالية الأستاذ يوسف خليل بممارسة صلاحياته الوصائية والرقابية على حاكم البنك المركزي بموجب قانون النقد والتسليف يفاجئ الرأي العام بتصريح يروّج فيه بالتمديد للحاكم رياض سلامة بحجة عدم وجود بديل وبسبب الشغور في رئاسة الجمهورية.
المطلوب من الوزير خليل متابعة ما يجري في البنك المركزي خاصة من خلال مدير عام المالية ومفوض الحكومة لدى البنك فيسأل الحاكم عن التعاميم والسياسات الخرقاء التي يمارسها منفرداً، أو بالتفاهم مع المجلس المركزي، مشغلاً مطابع العملة على مدار الساعة لإصدار تريليونات من الليرة اللبنانية لاستخدامها في إغراق السوق وزيادة منسوب التضخم وتجويف الليرة اللبنانية من آخر ما تختزنه من قيمة. وهنا يتعيّن على وزير المالية متابعة الخطوات الاقتصادية المأساوية التي يتخذها سعادة الحاكم بغية التنسيق (المفقود) بين السياسة النقدية (البنك المركزي) والسياسية المالية (وزارة المالية) باعتباره أمراً حيوياً وأكثر من حيوي في هذه اللحظات التي ينزلق فيها الاقتصاد اللبناني إلى منحدرات خطرة يحذر منها الخبراء والهيئات الدولية ومراكز الأبحاث والأساتذة الجامعيون.
فماذا يقصد وزير المالية باقتراحه التمديد لرياض سلامة الذي أتقن الفشل وأثبت ان لا علاقة له بعلم المال والاقتصاد، وإنْ كان مجلياً في ميدان الوساطة المالية وبيع الأسهم، فهل يريد معالي وزير المال من خلال اقتراحه، توفير الفرصة لرياض سلامة للإجهاز على ما تبقى من مدّخرات في جيوب اللبنانيين واستنزاف ما تبقى من إمكانات لدى الاقتصاد الوطني في ظلّ غياب متعمّد لأيّ خطة حكومية للتعافي المالي والاقتصادي، وفي ظلّ رفض المصارف تحمّل مسؤوليتها تجاه الخسائر المالية الكارثية التي تسبّبت بها هي وسعادة الحاكم وأركان الطغمة الحاكمة.
فإذا كانت المصارف تراكم الأرباح الطائلة وتودع الفوائد الباهظة التي قبضتها منذ تسعينيات القرن الماضي في كهوف المصارف الأوروبية ومغاور الأوف شور، وإذا كان الحاكم بالهندسات المالية والأعطيات الأسطورية التي توغلت في مواقع سياسية وإعلامية، وإذا كان أركان السلطة قد تمادوا في الهدر وصرف النفوذ والتربح غير المسبوق، فإنّ مسؤولية الانهيار، ومن ثم التعويض عنه، تقع على كاهل الأفرقاء الثلاثة رغم محاولة كلّ طرف إبعاد الكأس عنه، ورغم اتفاق الثلاثة على تحميل الشعب عبء الخسائر كلها عبر الاقتطاعات الوحشية من الودائع وما يصاحبها من رفع للأسعار وطبع جنوني لأوراق البنكنوت. ولتمرير كلّ ذلك يفتعل الأفرقاء الثلاثة معارك وهمية بين بعضهم البعض يتقاذفون التهم خلالها في خطة ثعلبية قوامها الخداع والمراوغة والضخ الإعلامي الملتبس.
وبينما الشعب يعاني الأمرّين جراء سياسة النهب المستمرة التي يمارسها الأفرقاء الثلاثة ينعم هؤلاء بأموال اللبنانيين والمغتربين والعرب في نوادي أوروبا ومنتجعات الكاريبي مدّعين الحرص على مصلحة لبنان التي داسوها بالطول والعرض دون أيّ شعور بالمسؤولية المهنية أو الأخلاقية.
إنّ هؤلاء جميعاً ـ الذين يحاول الرئيس نجيب ميقاتي حمايتهم بشتى الوسائل ـ يفترض إخضاعهم للمساءلة حتى يعود الحق لأصحابه وتعود سمعة لبنان الى مستوى مقبول في هذه الظروف التي تحوّلت فيها المهارة الى مدخل للابتزاز والخبرة إلى منصة للسطو على أموال الناس.
إنّ اقتراح التجديد لرياض سلامة الذي تقدّم به معالي وزير المالية يثير التساؤلات ويفتح جرحاً كبيراً لدى اللبنانيين والمغتربين والمودعين العرب الذين تضرّروا الى أبعد الحدود جراء سياسات وقرارات وتعميمات رياض سلامة الحاكم الذي حول المطلوبات الى موجودات، وامتنع عن تقديم الحسابات والكشوفات المطلوبة منه، وعطل التحقيق الجنائي، وسفك دم الليرة اللبنانية، و»أهدى» أصحاب البنوك والمحظوظين أموالاً طائلة تحت ستار الهندسة المالية، وسمح لعلية القوم نيل حصة كبيرة من قروض الإسكان المخصص لسواهم، ورفض دعوة اللجان النيابية، تلك الدعوة التي لا يحق لأحد في الدولة اللبنانية رفضها، وهو الشخص الملاحَق من سلطات قضائية أوروبية عدة فضلاً عن بعض المواقع القضائية اللبنانية الجريئة (القاضية غادة عون، القاضي جان طنوس، القاضية أماني سلامة) سلمت أيديهم.
أما أغرب ذريعة تطرح اليوم من قبل الوزير خليل وسواه لتسويغ التمديد للحاكم فهي عدم رغبة النائب الأول للحاكم الأستاذ وسيم منصوري ملء الشغور حينما تحين ساعة ذهاب سلامة الى بيته. فعندما قبلت بالمنصب يا سعادة نائب الحاكم ألم تكن تعرف أنّ قانون النقد والتسليف ينص على توليك موقع الحاكمية في حال شغور المنصب؟
أما إذا كان يشعل حساسية ما فالحاكمية ليست أسمى من رئاسة الجمهورية التي يتولى مسؤوليتها بعد شغورها مجلس الوزراء مجتمعاً، والحاكمية ليست أسمى من أيّ مقعد وزاري يغيب شاغله فيتولى وزير آخر الوزارة بالوكالة.
أما إذا كانت الحساسية أشدّ مما نتصوّر فهي لا تتيح لنا معاكسة القانون وإنما التعجيل في انتخاب رئيس جمهورية بعد أن ثبت، خلافاً لما كانت تقوله شخصيات سياسية ودينية، أنّ موقع رئاسة الجمهورية لا بديل منه، ليس لأنه يحقق التوازن الوطني في البلاد فحسب وإنما أيضاً لأنه المحرك الأول للإدارة والمؤسسات والضامن الأساسي للانتظام الوطني العام.
بالمختصر لو كان رياض سلامة واثقاً من نفسه ومن حساباته لتجاوب مع دعوات مجلس النواب للمثول أمام لجانه للإجابة عن الأسئلة التي تضجّ بها البلاد بعدما سقطت مؤسسات الدولة في أشداق الجشع والاحتكار وسلاطين الزيت والمال.
لكلّ ذلك لا تبرير للتمديد لرياض سلامة في ظلّ الكوارث التي تسبّب بها والتي لا يزال يصرّ عليها ويعتبرها مأثرَ لم يأتِ بمثلها الزمن.
*نائب ووزير سابق