لا تعليم للفقراء في لبنان
} نزار قانصوه
يعاني لبنان اليوم من أزمات عديدة سياسية واجتماعية واقتصادية على مختلف المستويات، هذا كلّه صبّ في جوف التعليم الرسمي الذي تأثر بالأزمة الاقتصادية بشكل كبير، ومع انهيار الليرة اللبنانية ينهار بذلك أمل المعلم والطالب بالعودة إلى التعليم، وهل من حلول في الأفق؟ وهل هذا سيحدث فجوة اجتماعية بين التعليم الرسمي والخاص؟
كاد المعلم في لبنان أن يكون متسوّلاً خلف نوافذ المصارف المقفلة التي تشبه نوافذ السجون، وبين وعود وزارة التربية والحكومة في جلستها الأخيرة التي ما زالت حبراً على ورق، فروابط التعليم الرسمي تصرّ على إضرابها وتطالب بأدنى حقوق العيش للمعلم الذي فقد قدرة الوصول إلى مدرسته، لأنّ الأزمة الاقتصادية في لبنان شبه محصورة بفئة الأساتذة والموظفين والعسكريين.
هناك حوالي 350 ألف تلميذ خارج مقاعد الدراسة منذ 20 كانون الأول العام الماضي 2022 إلى اليوم حسب ما ذكرت اللجنة الفاعلة للأساتذة المتعاقدين في التعليم الرسمي، على الرغم من الاعتصامات المتكررة على مختلف الأراضي اللبنانية.
وإذا عدنا بالذاكرة إلى السنوات الأخيرة الماضية، اي من سنة 2019، بداية انهيار التعليم الرسمي في لبنان المتزامن مع الأحداث الاجتماعية (ثورة 17 تشرين الأول) وجائحة كورونا التي ألزمت التعليم من بعد، وصولاً إلى تدهور العملة اللبنانية التي كانت النقطة الأساس في استمرارية إنجاح عام دراسي كامل في المدارس والثانويات الرسمية أو حتى في الجامعة اللبنانية.
في السياق عينه، أشرفت المناهج في المدارس الخاصة على إنهاء القسم الأكبر من برامجها المعتمَدة لا سيّما صفوف الشهادات الرسمية، مقابل مناهج التعليم الرسمي التي ما زالت في فصلها الأول، أضف إلى تراجع مستوى الطلاب بعد ترفيعهم بشكل شبه آليّ في السنوات الثلاث الماضية بسبب غيابهم عن مقاعد الدراسة.
وهذا سيناريو خطير جداً، لأنّه أحدث فجوة كبيرة بين التعليم الرسمي مقابل التعليم الخاص، وكأنّ الدولة تحاول أن تقول لا تعليم للفقراء في لبنان (دبّر حالك يا فقير)، ممّا سيسبّب طبقية اجتماعية مثل التي كانت في السبعينات داخل المدينة أو البلدة الواحدة، فيتمّ حصر التعليم بالأغنياء وفي مدارس وجامعات خاصة، لأنّ الطالب الفقير المميّز لا يستطيع التسجيل في ثانوية أو جامعة خاصة ولا قدرة له على دفع بدل النقل، وهذا الأمر سيُحدث ظواهر اجتماعية خطيرة للطلاب كالتسرّب المدرسي والتشرّد والانحراف والإدمان الالكتروني والتدخين لدى الأطفال وغيرها من الظواهر المنتشرة بشكل سريع، كلّ ذلك يتبعه ضياع في مستقبلهم وحرمان النخب والطاقات العقلية من الفقراء للوصول إلى حقهم في التعليم.