أخطر قانون مالي هو الكابيتال كونترول… لماذا؟
ناصر قنديل
ثمة ثلاث وظائف لقانون الكابيتال كونترول يجمع عليهما كل الخبراء، الأول هو فوري مع بدء الأزمة يوقف التدفقات المالية بالعملات الأجنبية الى الخارج لحفظ السيولة المتوافرة في السوق المحلية كمدخل ضروري للترسمل في عملية النهوض. وطبعاً هذا لو حدث مع أزمة 2019 و2020 لتم الحفاظ على مليارات الدولارات التي تم نقلها إلى حسابات خارجية باستنسابية انتقائية غير قانونية من المصارف، ومثلها كانت حفظت الأموال التي استعملها مصرف لبنان عن غير وجه حق فيما أسماه الدعم، وهو عملياً بيع الدولار على سعر 1500 ليرة، لتمويل غير مشروط للاستيراد، ترتب عليه نزيف دولارات من الودائع بغير علم وموافقة أصحابها، ولأن هذا لم يحدث في حينه فإن القانون لم يفقد وظيفته لأن له مهمة ثانية فما هي؟
الوظيفة الثانية لقانون الكابيتال كونترول هي التحكم بميزان المدفوعات عبر تحديد دقيق للحالات التي يسمح بموجبها بتحويل العملات الصعبة الى الخارج. والمقصود هنا ليس فقط الدولارات الموجودة لدى المصرف المركزي بل كل ما هو في السوق، وبالإضافة لحاجات محددة في مجالات الصحة والتعليم، تحدّد سقوف لحجم الأموال المتاحة لتمويل التصدير موزعة على بنود الاستيراد وفقاً لحاجات السوق، باعتماد الإحصائيات الأكثر تقشفاً وتشدداً. فعلى سبيل المثال يعتمد ميزان الاستيراد لعام 2021 حيث كان سقفه أقل من 10 مليارات دولار، وليس لعام 2022 حيث أدى الإعلان قبل ستة شهور عن تسعير جديد للدولار الجمركيّ إلى ارتفاع الاستيراد إلى الضعف وامتلأت مخازن التجار بالسلع بما فيها السيارات والمعدات الالكترونية والهواتف النقالة. وهذا الهدف للقانون غاب كلياً عن القانون الذي أقرته اللجان المشتركة في مجلس النواب.
الوظيفة الثالثة للكابيتال كونترول هي الحفاظ على التوازن في سوق العرض والطلب من خلال تقييد الحالات التي يسمح فيها بشراء الدولارات بواحدة من البنود المسموح بها في تحويلها، منعاً للمضاربة، وهذا لا يسري فقط على القطاع الخاص بل أولاً على مصرف لبنان، الذي يقوم بشراء الدولارات التي يحولها اللبنانيون بليرات تمت طباعتها بلا رقيب او حسيب، ومنع مصرف لبنان من شراء الدولارات الطازجة لغير الأهداف المحددة في القانون، يوازيه منعه من ضخ الأوراق النقدية بما يتجاوز الإنفاق المقرّر في موازنة الدولة ونسبة العجز المصرح عنها. وهذا يعني ربط أي طباعة لأي كميات جديدة من الأوراق النقدية بتشريع خاص.
للأسف يخلو قانون الكابيتال كونترول من كل هذه الضوابط، ولذلك فهو يتضمن كلاماً عاماً عن حقوق مقدسة للمودعين، لكنه يكشف ضعف البنية الفكرية لبعض القوى السياسية على المستوى الاقتصادي، ولذلك يسهل إرضاؤها بنصوص عائمة لا وظيفة إجرائية لها، وهذه هي مهمة القوانين، وليس التعريفات المبدئية التي تشكل أكثر من نصف القانون، ومقابل هذه القوى حسنة النية ضعيفة الأداء هناك تورط قوى أخرى مع المصارف ومصرف لبنان في تبرير السياسات التي أدت إلى الانهيار.
المطلوب، والوقت متاح لفعل ذلك، هو مراجعة نص القانون وإعادة بعض الروح إليه، بنصوص واضحة في بعدها الإجرائي، من نوع يحدد وفقاً لحجم وبنود الاستيراد لعام 2021 وفقاً للوائح الجمارك سقف التحويلات المخصصة للاستيراد وبنودها، ومن نوع يمتنع مصرف لبنان وسائر مؤسسات الدولة عن شراء الدولار والعملات الصعبة لغير الأغراض المنصوص عنها في القانون، ويمتنع مصرف لبنان عن ضخ أوراق نقدية تتخطى حدود التمويل المصرّح به في قانون الموازنة والعجز المقدر فيه، ويشترط لطباعة كميات إضافية من الأوراق النقدية تشريع خاص في كل مرة تحدد فيه الكمية والوظيفة المرتجاة منها.
من يريدون الدولار بسعر 30 ألف ليرة مثلاً، وربما أقل وأقل بكثير، يفعلون ذلك، وانتخاب رئيس جمهورية على أهميته قد يخفض سعر الدولار، لكن بصورة مؤقتة ويفتح الطريق الى ارتفاعه مجدداً ما لم تتغير آلية إدارة المال في الدولة، ومن ضمنها مصرف لبنان.