سنة على حرب أوكرانيا فمن فرض إرادته؟
عندما يحتفل الغرب بمرور سنة على حرب أوكرانيا تحت عنوان أن أوكرانيا صمدت وأن روسيا تعاني العزلة، وأن السنة الثانية للحرب هي سنة التراجعات الروسية العسكرية والسياسية والاقتصادية، فهل علينا أن نصدّق؟
عندما بدأت روسيا ما وصفته العملية العسكرية الخاصة، وضعت حربها بين سقفين، الأول أن يقابل الأوروبيون الموقف الروسيّ بعقلانية، فلا ينضمّون إلى منطق العقوبات العدائية التي تنادي بها أميركا وتستدرجهم إلى ساحتها لتجعلهم رهائن للسياسات الأميركية في مجال الطاقة، وبالتالي تحولهم الى دول هشة ضعيفة عاجزة عن الاستقلال. وفي هذه الحالة تكتفي روسيا بالسقف الأوكراني للحرب، أي ترتيب مريح لذوي الأصول الروسية في أوكرانيا الجديدة، ضمن صيغة اتحادية لعدة دول مستقلة، يجمعها الحياد. وسقف آخر يرتبط باستجابة أوروبا لنداء العداء لروسيا الذي تقوده واشنطن. وفي هذه الحالة تتحوّل الحرب الى سقف عنوانه إعادة صياغة العلاقات الدولية على المسرح الأوروبيّ بصورة خاصة.
في الحالة الأولى كانت حلقة الهيمنة الأميركية ستضعف في أوروبا وتتحوّل أوروبا الى شريك أمني اقتصادي لروسيا في بناء نظام عالمي متعدّد الأقطاب تحفظ فيه أوروبا مقعدها المستقل، أما في الحالة الثانية فتسقط العناوين الأوكرانية المباشرة للحرب وتحلّ مكانها العناوين الدولية، وتتحول أوكرانيا الى ساحة منازلة مع حلف الناتو، كما هو الحال، وفي حرب استنزاف تتقن روسيا أصولها تزيد أهمية القدرة على تلبية الميدان بالقدرات البشرية والعتاد والسلاح والذخائر على أهمية الجغرافيا، وعندما سلكت الأمور هذا الاتجاه أظهرت روسيا براعة فائقة في تحمّل التخلي المؤقت عن الجغرافيا لتحقيق أهداف حرب الاستنزاف، وأوصلت الناتو إلى استنزاف مخزونات ذخائره، وأوكرانيا إلى استنزاف مقدراتها البشرية، واحتوت بنجاح العقوبات الغربية المالية ونجحت بحماية الروبل من الضغوط المفترضة بذكاء رغم مصادرة مئات مليارات الدولارات من أصولها.
الآن تدخل الحرب مرحلة جديدة لا ينفع فيها التغني الغربي بتصويت الأمم المتحدة على مبدأ الانسحاب الروسي من أوكرانيا، وهو مبدأ يبدو طبيعياً أن تؤيده غالبية دولية، هي ليست متوافرة للعقوبات المفروضة على روسيا وهي الأهم، حيث يتمرد أقرب حلفاء أميركا عليها في الاستجابة لنداء العقوبات، كحال تركيا التي تمسك بمداخل البحر الأسود، والسعودية التي تمسك بعصب سوق الطاقة. والواضح أن المرحلة الجديدة التي يدخلها العالم ليست مرحلة عزلة روسيا، بل مرحلة فقدان اميركا لسطوة قبضتها على أقرب الحلفاء.
في الميدان سيكشف الربيع ومن بعده الصيف حجم التحولات التي تتراكم لصالح روسيا في الجغرافيا، ومحدودية القدرة الغربية على مجاراة الروس في تأمين المزيد من السلاح الفعال وسلاسل توريد الذخائر، ويبدأ الاقتصاد الروسي بدورته الجديدة التي أسست لها إجراءات احتواء العقوبات، والتي يتوقع الخبراء أن تتيح نمواً في ظل الحرب يتجاوز الـ 5% سنوياً.
نجحت روسيا بفتح الطريق لعالم جديد يتشكل.
التعليق السياسي