قمة العقبة لا تملك زمام المبادرة
ناصر قنديل
– يدرك الأميركيون خطورة انفجار الوضع الفلسطيني، ويعلمون أن هذا الانفجار يأتي بعد اليأس من جدوى خيار التفاوض والرهان على التسويات. وقد أمضى الفلسطينيون سنوات وعقوداً وهم يمنحون الفرصة تلو الأخرى لخيار التفاوض بلا جدوى. فالأرض الفلسطينية في الضفة الغربية تتقلص كل سنة بنسبة بين 5 و10%، والاستيطان ينمو في الضفة الغربية والقدس بصورة سرطانيّة، وعمليات طرد الفلسطينيين خصوصاً في القدس تسير على قدم وساق، لدرجة لم يعد فيها مكان لمشروع دولة فلسطينية عاصمتها القدس واقعياً في الجغرافيا، حتى لو بقي الطرح متداولاً في الحديث السياسي.
– يدرك الأميركيون أيضاً أن هذا اليأس الفلسطيني ليس ناجماً عن عامل فلسطيني مقاوم، بل إن نهوض التيار المقاوم فلسطينياً هو نتيجة لهذا اليأس وليس نتيجة له، لأن قضم الجغرافيا الفلسطينية وتهجير الفلسطينيين يتمان بإرادة إسرائيلية ومشيئة إسرائيلية، بتغطية أميركية. وقد تراجعت مكانة السلطة الفلسطينية تدريجياً في عيون الفلسطينيين، بسبب تنفيذها لما يطلبه منها الأميركيون، بما في ذلك التنسيق الأمني مع الإسرائيليين، وتسليم المقاومين وكشف خططهم وعملياتهم، ولذلك يدرك الأميركيون أن مشكلتهم في القلق من الانفجار ليست ناتجة عن راديكالية فلسطينية في السلطة ولا حتى خارجها، بل هي نتاج مباشر لطبيعة الحكومات الصهيونية وسياساتها الاستيطانية، وإعلانها دولة يهودية وترجمة هذه الهوية في مفهوم العاصمة الأبدية التي تمثلها القدس بمباركة أميركية، ومعنى تفريغها من العرب.
– الذي يعرفه الأميركيون أيضاً هو أن هذا المأزق ينمو ويكبر منذ ثلاثة عقود، وأن تبدل حكومات الكيان لم يغيّر في الاتجاه التصاعدي لهذا المأزق، رغم تناوب تشكيلات سياسية إسرائيلية في اليمين واليسار والوسط، لكنهم يدركون أن ما لم يكن ممكناً مع حكومات إسرائيلية مختلفة التوجهات، هو مستحيل مع الحكومة الإسرائيلية الحالية، لأنها أقل الحكومات الإسرائيلية استجابة، واستعداداً للاستجابة في كل ما يتصل بتجميد الاستيطان وعدم المساس بهوية القدس العربية، لأن القوة الرئيسية في هذه الحكومة التي يمثلها المستوطنون والمتطرفون دينياً، تحمل برنامجاً صريحاً فازت على أساسه في الانتخابات يقوم على توسيع الاستيطان وفق قواعد جديدة، وتهجير الفلسطينيين من القدس بوتيرة مختلفة.
– قمة العقبة التي عقدت بطلب أميركي ومشاركة مصرية أردنية إسرائيلية فلسطينية، أملاً بصناعة تهدئة تمنع خطر الانفجار، لا تملك زمام المبادرة، طالما أنها عاجزة عن ضبط الأداء الاستيطاني للحكومة الإسرائيلية، وعاجزة عن توفير الحد الأدنى من الحماية للسكان الفلسطينيين في القدس، وزمام المبادرة الموجود أصلاً لدى الفريق الجديد في الحكومة، موجود أيضاً لدى الفريق الفلسطيني الصاعد الذي يمثله عرين الأسود وكمية جنين، وشباب مثل إبراهيم النابلسي، وعلقم خيري، ولذلك لن يجدي الحديث عن تدريب آلاف الشباب الفلسطيني على أيدي خبراء أميركيين وتمويل نشوء ميليشيا فلسطينية تشارك الإسرائيليين حربهم ضد المقاومة، تحت عنوان منع الانفجار، لأنه عاجلاً أو آجلاً سيتفكك هذا الجهاز الجديد، وتبدأ خلايا المقاومة تتشكل داخله، كما حدث مع أمن السلطة الفلسطينية الذي يتولى التنسيق الأمني مع الإسرائيلي. فهؤلاء الفلسطينيون الذين يطلب إليهم خدمة الاحتلال هم أبناء العائلات التي تنزع أرضها وتنسف بيوتها ويجري إذلالهم على حواجز التفتيش.
– مشكلة الأميركيين أنهم يريدون الحفاظ على الاحتلال بأبشع أشكال توحشه، ويريدون فلسطينياً قادراً على تخديم مشروعه واعتبار جهاز الخدمة هذا، سلطة وطنية فلسطينية، والفلسطينيون يطلقون على هذا الجهاز تسمية واحدة هي العمالة.