دبوس
العامل البشري
ستنجلي الأمور وقريباً عن حقيقة حتمية ستطغى على كلّ الاعتبارات الاخرى، والحسابات قصيرة النظر التي يتصف بها العقل الأنغلوساكسوني، وهذه الحقيقة هي أنه مهما كان حجم الدعم المادي والتسليحي الذي يتدفق على أوكرانيا بلا حساب، فإنّ العنصر البشري سوف يبرز قريباً كالعامل الحاسم في الصراع، خاصةً بعد الخسائر البشرية الفادحة التي تكبّدتها أوكرانيا، وخاصة أيضاً بعدما تجلّى واضحاً انّ الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأميركية يريد من أوكرانيا ان تتحمّل وحدها ضريبة الدم دون ان يشارك بقطرة دم واحدة، قسمة ضيزى، قد تعطي عيناً عمياء في البداية، وإلى حين، وخلال تدفق المال بالبلايين، جلّه، او قسم كبير منه يذهب الى الجيوب المنتفعة، ولكن إلحاح الدم، الذي يهرق في ساحات القتال ببذخ، وبدون حساب، سيفتح العيون والآذان إلى الحقيقة المرة، التي مفادها، والتي لا يمكن ان يصرّح بها الناتو ومحركوه الأنغلوساكسون، أنّ المطلوب من الأوكراني مقابل كلّ هذا الدعم الباذخ ان يدفع ضريبة الدم وحده…
آخر تصريح لـ أولاف شولتز، يشي بالخبيئة الدنيئة التي لا يريد الغرب للأوكرانيين ان يعرفوها، حينما قال المستشار الالماني، بأنه لن يقوم بتزويد الأوكرانيين بالطائرات، لأنّ ذلك قد يتطلب تواجداً فيزيائياً للألمان كمهندسين واستشاريين ومدرّبين على أرض المعركة، وهذا ما لا تريده ألمانيا!
160 بليون دولار من الدعم خلال عام واحد، موزعة بين الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة الأميركية تمّ ضخها لقتال روسيا، ولكن الطامة الكبرى بالنسبة لأوكرانيا، والتي قد تكون بمثابة قنبلة موقوتة، قد تنفجر في أية لحظة، وتقلب كلّ الأمور عقباً على رأس، هي الدماء المسفوحة ببذخ في أرض المعركة من الجانب الأوكراني والتي تقدّر بـ 120 ألف قتيل حتى الآن، وعادة ما يكون عدد الجرحى في الحروب هو ضعف عدد القتلى، وهو ما يعني ببساطة انّ 400 ألف مقاتل أوكراني قد خرجوا من ميدان المعركة، هل تمتلك أوكرانيا، والأوْلى هل ترغب، في تحمّل المزيد من النزف البشري نيابة عن الغرب برمته، كما أريدَ لها ان تكون، سؤال سيصبح أكثر إلحاحاً وأكثر إثارة للضجيج والجلبة في المرحلة المقبلة، ولعلّ الغرب قد نسي أو تناسى انّ العامل الأول في إنهاء الحروب عبر التاريخ هو نزيف الدم، وليس نزيف المال أو الذخيرة.
سميح التايه