محاولات إجهاض عودة العرب للحضن السوري!
د. محمد سيد أحمد
ليست المرة الأولى التي أكتب فيها عن حتمية عودة العرب للحضن السوري ولن تكون الأخيرة بالطبع، في ظلّ الحقد الذي تمارسه بعض النخب العربية عبر وسائل الإعلام على سورية العربية، فمعركتنا مع أبواق العدو الأميركي وحليفه الصهيوني لا زالت مستمرة، وهذه المعركة التي نخوضها تطوعاً لنشر وعي حقيقي حول ما يحدث داخل مجتمعاتنا العربية، يخوضها الآخرون بأجر، وفي الوقت الذي تضيق علينا مساحة التعبير عبر الوسائل الإعلامية فلا نجد إلا بعض المنابر الوطنية المقاومة، تتسع المساحة الممنوحة لهؤلاء على كافة المنابر الإعلامية المأجورة، وفي بعض الأحيان يقومون بمزاحمتنا على وسائل إعلامنا الوطنية التي تقع في بعض الأخطاء عندما تحاول منحهم مساحة في مواجهتنا بحجة المهنية وسماع الرأي والرأي الآخر.
وقد أوضحنا كثيراً أنّ معركتنا بدأت مبكراً مع من يطلقون على أنفسهم النخب العربية ويظهرون على وسائل الإعلام ليزيّفوا وعي الجماهير العربية بحقيقة ما يحدث داخل مجتمعاتنا، فحين بدأت موجة الربيع العربي المزعوم في نهاية العام 2010 وبداية العام 2011 كانت هناك العديد من المبرّرات الموضوعية لحدوثها في غالبية الأقطار العربية، خاصة التي انبطحت أنظمتها الحاكمة للعدو الأميركي ـ الصهيوني وسلمت مقدرات شعوبها وأوطانها لذلك العدو ليفعل بها ما يشاء، لدرجة أصبحت القوى الوطنية الواعية في تلك الأقطار العربية على ثقة بأنّ صناعة القرار السياسي تتمّ في واشنطن وتل أبيب، وما تلك الأنظمة الحاكمة داخل بلدانهم إلا دمى يحركها صانع القرار الغربي بما يتفق ومصالحه سواء كانت الاقتصادية أو السياسية أو العسكرية، وتحوّلت بذلك غالبية مجتمعاتنا العربية إلى مجتمعات رأسمالية تابعة تدور في فلك النظام الرأسمالي العالمي، لذلك لم يكن غريباً خروج الجماهير الشعبية غاضبة ومطالبة بالتغيير وإسقاط هذه الأنظمة العميلة والخائنة بعدما عانت أشد المعاناة على كافة الأصعدة المجتمعية.
لذلك لم يكن من المتوقع أن تصل مثل هذه الموجة الغاضبة إلى سورية العربية، التي كان نظامها الحاكم هو الوحيد تقريباً من بين الأنظمة العربية الذي يرفع راية العصيان في مواجهة المشروع الرأسمالي الغربي، ويكن العداء ويجاهر به في وجه العدو الأميركي ـ الصهيوني، ويدعم حركات المقاومة العربية في مواجهة العدو الصهيوني، ويرفض أيّ اتفاقيات سلام مزعومة قائمة على التفريط في شبر واحد من الأرض العربية المحتلة من قبل العدو الصهيوني، ويرفض التفريط في قراره السياسي بأيّ شكل من الأشكال، لذلك سعى إلى بناء مجتمع قائم على الاكتفاء الذاتي، فكانت سورية هى الدولة العربية الوحيدة التي يأكل شعبها مما يزرع ويلبس مما يصنع، ولم يكن عليها دولار واحد دين خارجي خاصة للدول الغربية الرأسمالية، ولا المنظمات الدولية التي تفرض شروطها على من يرغب في الاستدانة كصندوق النقد والبنك الدوليين، وكان سكانها يعيشون بكرامة في مجتمع تتوافر فيه كلّ احتياجاتهم الأساسية والتي تشكل صمام الأمان لأيّ مجتمع.
وعندما وصلت موجة الغضب إلى سورية وتناقلتها وسائل الإعلام الغربية والعربية العميلة والمأجورة كنت أتشكك في ما يحدث، ولم يكن عقلي يقبل بما يُذاع إلا في إطار المؤامرة لأنّ الشروط الموضوعية التي توافرت في بعض الأقطار العربية الأخرى التي شهدت موجة الغضب لم تكن متوفرة في الحالة السورية، لذلك سارعت مع بعض الزملاء الذين يمتلكون نفس الوعي بتشكيل أول وفد مصري لزيارة سورية لنرى ونشاهد على أرض الواقع ما تبثه وتدّعيه وسائل الإعلام، وبالفعل كانت الزيارة كاشفة بكلّ معنى الكلمة، فلا أصل لما يُبث عبر وسائل الإعلام بل فبركات وتزييف وتزوير للواقع، وتأكدنا أنّ هناك شعباً واعياً إلى حدّ كبير خرج لتأييد ودعم قيادته الوطنية التي تسعى طوال الوقت للحفاظ على استقلالية القرار الوطني السوري.
وعند عودتنا إلى مصر قمنا بتشكيل جبهة شعبية وإعلامية للدفاع عن سورية التي تشكل آخر معاقل القومية العربية، وواجهنا انتقادات كبيرة وصلت إلى حدّ الاتهام بالعمالة للنظام السوري أحياناً والتكفير أحياناً أخرى، ثم تطور الأمر لإهدار دمائنا أثناء حكم محمد مرسي وجماعته الإرهابية حيث أصبحت صورنا يتمّ تداولها على مواقع الجماعات التكفيرية مختومة بختم عميل ومطلوب، ورغم ذلك أخذنا على عاتقنا أن نخوض المعركة إلى جانب سورية العربية عبر المنابر الإعلامية المتاح لنا الظهور عليها في محاولة لتنوير الرأي العام المصري والعربي بحقيقة ما يحدث على الأرض العربية السورية من مؤامرة كبرى تحوّلت إلى حرب كونية شاركت فيها أطراف متعدّدة وبأدوار مختلفة لكنها محددة بدقة، وخلال سنوات الحرب لم تنقطع زياراتنا إلى سورية للإطلاع الدائم على آخر المستجدات الميدانية.
وبعد حدوث الزلزال الأخير دخلت سورية مرحلة جديدة حيث تغيّر الموقف الرسمي العربي إلى حدّ كبير، وبدأت الاتصالات المقطوعة تعود من جديد بين العواصم العربية ودمشق، وبدأت المساعدات التي تشكل مقدمة لفكّ الحصار الظالم على سورية تتوافد عبر البر والبحر والجو، وبدأت الوفود الرسمية العربية تحج إلى دمشق وتلتقي بالرئيس البطل بشار الأسد، وتداخل بذلك الانساني مع السياسي، لذلك طالبنا بحتمية الإسراع في عودة العرب لحضن سورية من جديد وأن تكون القمة العربية المقبلة في الرياض هي تتويج وترجمة فعلية لكلّ هذه التحركات الإيجابية على الأرض، ففك الحصار عن سورية والعودة إلى حضنها هو التكفير الوحيد عن الذنب الذي ارتكبته الأنظمة العربية الرسمية على مدار السنوات الماضية، وبالطبع هذه العودة لن تعجب قوى العدوان الأميركية ـ الصهيونية لذلك بدأت في تحريك أبواقها المأجورة من النخب العربية التي لا زالت تزاحمنا على بعض وسائل الإعلام الوطنية، فتجد من يخرج لينشر سمومه ورؤيته السوداوية ويقول إنّ التحرك العربي إنساني بحت ولن ينتقل إلى السياسي، وهو ما يعني أنّ الأنظمة العربية مسلوبة الإرادة ولا زالت خاضعة لتأثير العدو الأميركي ـ الصهيوني، لذلك يجب التصدي لهذه الأبواق التي لا زالت تروّج لمشروع العدوان والحقد على سورية العربية الحصن الأخير للعروبة وتحاول إجهاض عودة العرب للحضن السوري، فالفرصة الآن سانحة لإحياء المشروع القومي العربي في مواجهة المشاريع المعادية لنا في الإقليم، خاصة أنّ الخريطة الدولية تتشكل من جديد، ولم يعد العدو الأميركي يغرّد منفرداً كما كان في الماضي القريب، اللهم بلغت اللهم فاشهد.