أخيرة

الاعتداء على الممتلكات الثقافية لشعب ما هو اعتداء على كل شعوب العالم

‭}‬ دمشق ـ سانا
تعرّضت قلعة دمشق المسجلة على قائمة التراث العالمي منذ عام 1979، والمعهد التقاني للآثار والمتاحف، والمعهد التقاني للفنون التطبيقية، لعدوان إسرائيلي في الـ19 من شباط الماضي، ما تسبّب بارتقاء عدد من الشهداء وأضرار كبيرة في النسيج الأثري للقلعة والبنية التحتية لهذه المراكز التعليمية.
يثبت العدو الصهيوني من خلال ممارساته العدوانية على البشر والحجر أنه لا يأخذ القوانين الدولية التي تحمي التراث العالمي والثقافي من الاعتداءات بعين الاعتبار، رغم إنه قانون له قواعد واضحة.
تعرف اتفاقية لاهاي لعام 1954 بحسب المادة الأولى منها الممتلكات الثقافية، بأنها الممتلكات المنقولة أو الثابتة التي تتمتع بحد ذاتها بقيمة فنية أو تاريخية أو بطابع أثري، وكذلك المباني والممتلكات المخصصة بصفة رئيسية وفعلية لحماية وعرض الممتلكات الثقافية، والمراكز التي تحتوي على مجموعة كبيرة من الممتلكات الثقافية، وكذلك الآثار التاريخية والأعمال الفنية وأماكن العبادة التي تشكل التراث الثقافي أو الروحي للشعوب، إضافةً إلى الممتلكات الثقافية المرتبطة بالمواقع الطبيعية.
وحددت المادة 53 من البروتوكول الأول لاتفاقية جنيف لعام 1977 والمادة 16 من البروتوكول الثاني، الممتلكات الثقافية بالآثار التاريخية والأعمال الفنية وأماكن العبادة التي تشكل التراث الثقافي أو الروحي للشعوب، وقد استعملت عبارة «الشعوب» بدلاً من «الدول» لكون ثمة تراثاً قد يتجاوز حدود البلد الواحد كحال مدينة القدس المحتلة.
وأوضح الدكتور حسن جوني الخبير في القانون الدولي الإنساني أن الأعيان الثقافية تشكل رمزاً وهوية وتاريخاً للشعوب وتحتل مكانة مهمة ليس فقط في الوعي، إنما أيضاً في اللاوعي عند كل شعب، لذلك فإن أي «اعتداء على الممتلكات الثقافية لشعب ما، لا يشكل اعتداء عليه فقط، بل اعتداء على كل شعوب العالم».
وأضاف: «من هنا جاءت اتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية لتنص على أن الأضرار التي تلحق بممتلكات ثقافية يملكها أي شعب كان، تمس التراث الثقافي الذي تملكه الإنسانية جامعة، فكل شعب يساهم بنصيبه في الثقافة العالمية، وبناء على ذلك فإن المحافظة على التراث الثقافي مهمة ومسؤولية الإنسانية جمعاء، لما لهذا التراث الثقافي من فائدة عظمى لجميع شعوب العالم، أي ينبغي أن يحظى بحماية دولية كما جاء في الاتفاقية».
وتبرز أهمية خاصة لحماية الأعيان الثقافية في المنطقة العربية التي تشكل خزاناً قيماً لهذه الأعيان لكون المنطقة وفق جوني: «انبثقت منها الأديان السماوية وشكلت منذ فجر التاريخ مهداً للحضارات من جهة، ولأنها تعاني من جهة أخرى، من نزاعات عسكرية مستمرة ومدمرة ذات طابع دولي أو داخلي».
تتمتع الأعيان الثقافية بحماية خاصة في القانون الدولي الإنساني أقرها العديد من المعاهدات، لتضاف إلى الحماية الممنوحة لها، باعتبارها أعياناً مدنية (المادة 52 من البروتوكول الأول لاتفاقية جنيف)، ومن المعاهدات التي حمت هذه الأعيان اتفاقية لاهاي لعام 1907، واتفاقية لاهاي لعام 1923 حول الحرب الجوية، وميثاق روريخ/واشنطن 1935، وميثاق اليونيسكو 1945، واتفاقية لاهاي لعام 1954 وبروتوكولها الأول، ومعاهدتا اليونيسكو لعامي 1970 و1972، والبروتوكولان الإضافيان لاتفاقيات جنيف الأربعة 1977، والنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية 1998، والبروتوكول الثاني لاتفاقية لاهاي 1999، والإعلان العالمي لحماية التراث الثقافي من التدمير المتعمّد 2003، وبيّن الدكتور جوني أن حماية الممتلكات الثقافية بموجب اتفاقية لاهاي 1954 تشمل وقاية هذه الممتلكات واحترامها، فالوقاية ضرورية وخصوصاً في فترات السلم، حيث ينبغي الاستعداد لحماية هذه الممتلكات من الأضرار التي قد تنجم عن نزاع مسلح باتخاذ التدابير المناسبة.
وحول قواعد حماية الممتلكات الثقافية وتوصيف الجرائم المرتكبة بحقها أوضح الدكتور جوني أن عدم احترام قواعد القانون الدولي لحماية الممتلكات الثقافية يشكل انتهاكاً لهذا القانون تتحمل مسؤوليته الدول والأفراد، فيترتب على الدولة إعادة الممتلكات الثقافية التي حصلت عليها أثناء النزاع المسلح والاحتلال وكذلك عليها دفع تعويض للدولة المتضررة.
وأكد الدكتور جوني أن ارتكاب هذه الانتهاكات أثناء النزاعات المسلحة ذات طابع دولي أو ذات طابع غير دولي تعتبر في القانون الدولي جرائم حرب.
مشيراً إلى أنه بالرغم من كل الجهود المبذولة من قبل اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ومن قبل اليونيسكو، وبالرغم من أن الاتفاقيات الدولية التي تحمي الأعيان الثقافية، أصبحت اليوم تشكل جزءاً أساسياً من القانون الدولي الإنساني العرفي، فإن الأعيان الثقافية ما زالت تتعرّض لأبشع الاعتداءات أثناء النزاعات المسلحة ذات الطابع الدولي أو غير الدولي، وذلك ليس فقط من قبل الدول التي لم تنضمّ إلى هذه الاتفاقيات، إنما أيضاً من بعض الدول التي انضمت إليه.
وختم الدكتور جوني: «إن احتلال التاريخ عبر تدمير ونهب الأعيان الثقافية قد يكون أخطر بكثير من احتلال الأرض، فالأرض تحرّر، ولكن عندما يتم احتلال التاريخ فمن يحرّره؟».

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى