دبوس
السلام الاقتصادي وما أدراك ما السلام الاقتصادي!
الأكثر رعباً من العمى، هو أن تكون الوحيد الذي يرى، منذ فترة طويلة، وبالتحديد منذ توقيع اتفاقية أوسلو، وحينما صافح شمعون بيريز دعبس، لقد نظرت الى وجه بيريز، ولغة الجسد التي واكبت المصافحة، فلم أفهم منها سوى تذكير منه لرئيس السلطة القادم، بأنّ دورك آتٍ، وما عليك سوى ان تكون مطواعاً، وستجزى على ذلك.
وجدت أوسلو طريقها الى الحياة، ولكنها كانت عرجاء، الرِّجل التي قيّض لها ان تخطو نحو الاعتراف بالكيان، ومن ثمّ التنسيق الامني وإعانة الاحتلال على ترسيخ وجوده بدون خسائر، هذه الرِّجل، كانت تخطو بكفاءة وقوة ورشاقة، وأما الرِّجل الأخرى، والتي كان يتوجّب ان تخطو نحو إنشاء الدولة المفعمة بالحياة، والمعترف بها، والقابلة للتواصل، فلقد كانت معطوبة، غير قادرة على الحركة، فابتلينا بسلطة جلّ همّها رواتب آخر الشهر، وبدلات السكن والحركة، والـ «ڤي أي بي»، والإبقاء على مهزلة التفاوض العبثي للإيحاء بأنّ هناك أفقاً سياسياً، يا شباب، فلا داعي للعنف، وخلّوها سلمية حتى يحبّنا المجتمع الدولي ويرضى علينا، ومن ثمّ نستمر في تلقّي الهبات والمنح.
في ذكرى الراحل الكبير أنيس النقاش، قال ذات مرة في إحدى اللقاءات المتلفزة، لقد جمعتني بمحمود عباس مناسبة انتهزتها لأقترب منه وأصارحه بما يعتمل في صدري، بادرته بالقول، ما هي الاستراتيجية التي تتبناها يا أبو مازن في التعامل مع العدو في حالة فشل المفاوضات في الوصول الى حلّ سلمي، وهذا احتمال وارد، هل لديك استراتيجية لاحتمال كهذا؟ فكان ردّ دعبس، يا أخ أنيس، أنا زلمة ليس لديّ وقت لما يُدعى بالاستراتيجية والخطط البديلة ومثل هذه الأمور، بالكاد أنتظر المخصّصات التي أتلقاها من شارون في نهاية كلّ شهر، ثم أنشغل بعد ذلك في تبويب هذه المخصّصات حتى يأتي وقت المخصّصات التي تليها.
يقول غيفارا، من الأفضل ان تموت واقفاً من أن تعيش مبطوحاً، أما دعبس فيقول، من الأفضل ان تعيش مبطوحاً، على ان تموت واقفاً، نفس الكلمات تماماً، ولكن بقليل من إعادة الترتيب، تنقلك من مصاف الثوّار العظام، إلى مصاف الخونة الجبناء…
سميح التايه