أولى

هل يعبر الربيع الى العبرانيين في تل الربيع؟ «إسرائيل» خزان الديناميت…

 

‭}‬ نارام سرجون
«إسرائيل» كانت محظوظة بأعدائها الى حدّ لم يحلم به حتى من كتب يوماً أسطورة البيع والشراء بين الله وملوك «إسرائيل» بأنه أعطاهم ما بين الفرات والنيل ونسي أن يفرغها لهم من السكان كما يفعل باعة الشقق والبيوت بإخلائها من المستأجرين… ولو كان من كتب تلك الخرافة يدري أنّ أعداء «إسرائيل» سيكونون بمستوى جهل عرب هذا الزمان لكان أكثر سخاء في الوعد ولقال له ما بعد الفرات وما بعد النيل حدودك يا «إسرائيل»، ولأمره بأن يطلب من العرب البلهاء ان يحملوا الفرات بأيديهم ويضعوه على حدود أفغانستان وأن يحملوا النيل الى شواطئ المغرب كي يتوسع ملك بني «إسرائيل»…
ولكن لم نعد جهلاء، وصرنا نعلم انّ من يصدق هذه الأسطورة هو عقل مكون من خلاصات الغباء النقي، وصرنا نعلم اليوم أكثر أنّ «إسرائيل» دولة زائلة لا محالة وأنه يستحيل بقاؤها… وأنها مجرد عابر سبيل في هذا الشرق، ولا أمل لها بالبقاء رغم انها تنفخ أوْداجها وتتباهى بقوتها، ونحن نعلم أنها ليست قوتها بل قوة أوروبا وأميركا وأنها مشروع غربي وليس لليهود فيه أيّ قرار… ولا فرق بينها وبين السعودية التي قال عنها ترامب بأنّ نظام الحكم فيها سينهار بعد أسبوعين إذا رفعت عنه الحماية الأميركية.. و»إسرائيل» ستتبخّر في أسبوعين إذا رفعت عنها الحماية الأميركية.
هناك كسالى وهزالى وجهلاء وعملاء يريدون إقناعنا بأنّ «إسرائيل» المتفوّقة علينا تقنياً لا يمكن أن تقع في أخطائنا وغبائنا ولا تتعرّض للوقوع في الحفر القاتلة التي يتكرّر سقوطنا فيها.. وهي أكثر نضجاً منا إذا ما تعلق الأمر بأمنها الوطني والتزام المعايير الوطنية.. ولذلك فإنها تمرّ بأزمات ديمقراطية فقط وكلّ هذه الضوضاء عن الانشقاقات حول سلوك وحكومة نتنياهو لا معنى لها وهي مخاضات مجتمع سليم ديمقراطي لا يتخلخل.. ولا يمكن ان ينزلق هذا المجتمع الى الانهيار والفوضى.
ولكن الحقيقة هي انّ هذا المجتمع هو وصفة حقيقية للفوضى، وكلّ مستوطن فيه هو إصبع ديناميت.. ولذلك فإنّ أيّ ارتفاع في حرارة الجو السياسي قد تفضي الى انفجار في مستودع الديناميت المسمّى (إسرائيل).
والسبب بسيط جداً وهو أنه مجتمع مجمّع بالقوة وغير حقيقي وغير طبيعي التطور.. وغير منسجم وهو يشبه تركيب الذرة التي تجبر فيها البروتونات على السكن بهدوء الى جانب النيوترونات.. ولكن حجم الضغط الهائل عليها يجعلها متماسكة وما ان يتمّ شطر الذرات حتى تتفجر تفجيراً ذرياً هائلاً…
فالمجتمع «الإسرائيلي» مجتمع مليء بالتناقضات الهائلة مثل مجتمع الحروب الصليبية القديمة، فرنسيون وانكليز وألمان، لهم دين واحد ومذاهب شتى ولغات شتى وثقافات شتى، ولم تنصهر الحدود الثقافية بينهم، ولذلك فإنّ صراعاتهم البينية كانت كثيرة وسبباً في هزيمتهم وخروجهم من التاريخ، واليهود ليسوا فقط أشكيناز وسفارديم، وليسوا فقط حريديم وغير حريديم… بل المشكلة العويصة التي لا حلّ لها هي أنه مجتمع قلق جداً ولديه عقدة خفية وعلة وجوده هو أنه مجتمع مكروه عبر التاريخ من كلّ البشر.. فالبنية النفسية لليهودي قائمة على أنه الأفضل والأقرب الى الله، ولذلك فإنه مكروه ومحسود من قبل بقية البشر.. وهو لذلك يكره الجميع بنفس الطريقة كردّ فعل، وهو لذلك ينام بعين واحدة ويبقي عينه الأخرى مفتوحة.. وهذا القلق من الوجود رافقه منذ لحظة تلقي الوعد بأنه الشعب المختار، ويرافقه اليوم وسيرافقه الى يوم القيامة.
وبسبب الطبيعة العنصرية الطاغية على المجتمع الذي يحسّ أنه فوق القانون الدولي وفوق القانون الأخلاقي وأنه مطلق اليد في كلّ شيء وانه ابن المحرقة فقد نشأ جيل «إسرائيلي» صار يرى أنه وضعه فوق القانون من قبل الرب ومن قبل الغرب انه استثنائي ولا يخضع لاي قانون أو سنة وجودية.. ولأنه يرى في القوة السبيل الوحيد للبقاء ضدّ الفلسطيني فإنه سيرى انّ القوة هي أيضاً الطريقة المثالية للتفكير في ايّ خلاف مع اليهودي.. لأنه كمستوطن مسلح وكان يستسهل سحب سلاحه فوراً لحلّ ايّ خلاف مع الفلسطيني فصارت علاقته مع السلاح قوية ويرى فيه الوسيلة الجيدة للتعبير.
الطريقة الدينية في التفكير هي كارثة بحدّ ذاتها.. لانّ التفكير الديني يؤمن بالماورائيات والمعجزات ويؤمن صاحبه أنه مفوض من الله وبأنّ كلّ ما يفعله إنما هو وحي يوحى وأنه إرادة الله وقراره.. حتى لو كان مواجهة مع الأخ والأم والأب.. وهناك قدرة هائلة على الفتوى والتبرير للدموية، لأنّ الدم مرتبط بالدين، ففكرة الأضحيات والقرابين هي ربط دموي بين التضحية والرغبة الشخصية في القتل من أجل البقاء.. وهي كلها ذات جذور دينية، فكلنا نذكر النسخة الصهيونية للحريديم الإسلامي المتمثل بالاخوان المسلمين والتنظيمات الإسلامية حيث انّ قتل المدنيين المتواجدين في أماكن العمليات الحربية بالصدفة مباح مثل ان يكون المدنيون في ساحة ينسفها الانتحاري طالما أنها ساحة فيها هدف عسكري.. وكانت الفتاوى تقرّر انّ هؤلاء شهداء وسيدخلون الجنة.. وكان هؤلاء يساقون الى الجنة عبر نسفهم، وذلك من أجل ان يخفّ الشعور بالذنب من قلب الاتباع وقلب الانتحاري، أما كيف قرّروا انّ هؤلاء المدنيين شهداء وانّ الله قرر إدخالهم الجنة فإنّ علم ذلك عند الراسخين في علم الأديان، وخاصة ضباط الاستخبارات الغربية وضباط الموساد الذين كانوا يفصلون الفتاوى ويوزعها رجال الدين الثورجيون…
التماسك الظاهري والهش للتجمع الصهيوني ليس سببه تماسك الضرورة خوفاً من الفناء بل انه تماسك بسبب هشاشة العدو العربي منذ نشوء الكيان الإسرائيلي، فلم يصطدم التجمع الصهيوني الى الآن بأيّ تحدّ وجودي منذ عام 1973.. وتآكل المجتمع الهش ظهر عندما ظهر أنّ العدو في الشمال لا يزال عدواً وانّ قدرة «الإسرائيلي» على خوض الحرب لانتصار مضمون مشكوك بها منذ صدمة عام 2006 التي صدمت العقل الإسرائيلي بشدة.. وتلتها صدمة فشل الربيع السوري حيث كان احتمال النجاة لدمشق لا يتجاوز 1%… ولكن لم تمت دمشق.. وها هي تنفض الغبار عن الغبار، وستعود بسيفها ان عاجلا او آجلاً…
الحرب الأهلية اليهودية ليست مستبعدة بل انّ كلّ ظروفها موجودة.. وبذورها في الفكرة الصهيونية الدينية لأنّ أيّ اعتداء على الفكرة يعني اللجوء الى حكم التكفير.. والتكفير يودي الى القتل.. وقد ظهر ذلك جلياً عندما قتل يهودي يهودياً عندما اغتال يغال عمير اسحاق رابين.. والمجتمع الإسرائيلي محشو بالحاخامات وطلاب الرضا الرباني، ولهم أتباع بلا عدد.
من سيحاول لجم الصراع هو الغرب الذي سيرى في الفوضى «الإسرائيلية» تخريباً مهمة التجمع «الإسرائيلي» الذي هو تجميع لدواعش يهود يقفون في نقطة مواجهة أمامية.. ولكن «إسرائيل» محشوّة بالمجانين،. ومحشوّة بالسلاح، ومحشوّة بالتطرف، ومحشوّة بالعنصرية، ومحشوّة بالوهم، ومحشوّة بالحيرة الوجودية، ومحشوة بالخوف، ومحشوّة بالمتدينين… وكلّ مستوطن هو إصبع ديناميت، و»إسرائيل» هي أكبر خزان لأصابع الديناميت في العالم.
لذلك هذا التجمع الصهيوني المريض لا يحتاج إلا ان نساعده ليعبر نحو ربيع عبري يعيشه العبرانيون، حيث يصل الربيع، الى تل الربيع، أيّ إلى «تل أبيب»، وانْ لم يصل الربيع العبري الى العبرانيين في تل الربيع كما نحب ونشتهي فإنّ مهمتنا ان نوصل ربيعنا الساطع الذي حلمنا به منذ 70 سنة الى تل الربيع.. الذي لا نزال كلنا إيماناً أنه من كلّ طريق آت، لأنّ مهمتنا هي إما ان نوصل الربيع الى تل الربيع أو نرسلها الى الله.. كما قال الرئيس بوتين عن الإرهابيين بأنه ليس هو من يحاسبهم بل الله هو من يحاسبهم، ولكن مهمة بوتين ـ كما يرى بوتين ـ هي في أن يسهّل وصول الإرهابيين الى الله، وأن يرسلهم الى الله دون تأخير.
وليس على الأقدار والشعوب العنيدة شيء مستحيل…

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى