نافذة ضوء
لا إصلاح إلا َّبالصلاح
وحيث يُوجد الصالحون يهون الإصلاح
} يوسف المسمار*
مخطئٌ من يعتقد ان الإصلاح يكون بالكلام والتنظير وكثرة المطالب والإلحاح بسرعة الاستجابة. ومخطئ أكثر من يتوهم أن الإصلاح يتحقق بمسيرات الشوارع والصياح والضجيج وتخريب المرافق العامة والخاصة والاعتداء على المواطنين وممتلكاتهم باسم الثورة.
ثورة الإصلاح وعي وعمل وبناء
فثورة الإصلاح لا تكون بالتخريب، بل بالبناء. ولا تتحقق بالكلام، بل بالأفعال. ولا تتقدّم بالمنى والأحلام والأوهام، بل بارتقاء الفكر وقوة الإرادة والوعي والعزم والجهاد.
وإذا كان ما يميز الإنسان عن الحيوان وسائر المخلوقات هو العقل، فإن العقل يبقى ويستمرّ هو الشرع الأعلى في الوجود. والله ما وهب الإنسان العقل باطلاً، ولا جعله سيد الخليقة عبثاً. ولا اختصه بالرسالات السماوية والدنيوية سدى، ولا منحه موهبة التفكير والتبصر والتمييز والاختيار والقدرة على الإقدام والفعل بعامل صدفة، بل إن الله جهّز الإنسان بكل تلك الخصائص والميّزات ليرفعه بها من أدنى الدركات التي هي ما دون البهيمية والجماد الى أعلى الدرجات التي تتخطى وتتجاوز مستويات الملائكية الراقية.
فإذا قصَّرعقل الإنسان في وظيفته، سقط وعيه وانحطّ فكره، وساءت إرادته واستقرّ في مستنقع الركود او التوحش منفعلاً وغير فاعل ولا يمتّ بعد ذلك بصلة الى أي نوع من أنواع الإنسان العاقل الثقافي الحضاري.
أما إذا قام عقله بوظيفته كما ينبغي وكما أراد واهب العقل، فإنه يحمل الإنسان على اليقظة، واليقظة تقود الى الوعي، والوعي يحرك فيه الفكر، والفكر يحثه ويطلقه باتجاه الرقيّ فيرتقي، ويرتقي مستوى فعل الإرادة الفردية الخاصة من الفعل الزائل الذي يزول بزوال الفرد الى مستوى فعل الإرادة الاجتماعية العام الدائم الذي يستمرّ باستمرار سير حياة المجتمع، فتنشأ بذلك الحضارة التي ترتقي فيها الحياة الإنسانية وتعود بالخير على المجتمع، وبالتالي على أفراده في جيلهم الحاضر والأجيال التي تلي.
وبصلاح المجتمع تتحقق الخطوة الأولى لصلاح العالم مما هو فيه ويحيط به من ويلٍ كارثي انتحاري يتغلل في مفاصله الروحية والمادية ليؤدي به الى مصير الدمار ولا ينفع بعد ذلك الندم والصياح والنحيب.
إن مجتمعنا بحاجة ضرورية الى إصلاح وإصلاحيين، وقبل ذلك الى صلاح وصالحين، وما لم نع معنى الصلاح ونعتنق عقيدة الصلاح ويقوم أبناء أمتنا الصالحون بالإصلاح وتحرير حياتنا من الفساد الروحي، والهذيان العقلي، والانحطاط الأخلاقي، فلن نحقق أي إصلاح مهما كثرت الثرثرات والأقاويل والأماني والرغبات الى الإصلاح.
فالصلاح نفسية صالحة لا تشوبها أخلاق ذميمة والإصلاح فعل صالح لا يداخله فساد.
وكم كان العالم الاجتماعي والفيلسوف أنطون سعاده مصيباً ومحقاً في قوله:
«هيّنٌ جداً التكلم عن الإصلاح ولكنه ليس هيّناً إتيانُ الإصلاح.
إن الذين يريدون الإصلاح الحقيقي يجب أن يكونوا صادقين في أنفسهم، وأن يتحوّلوا الى الإصلاح في ذواتهم أولاً، ليتمكنوا من إصلاح غيرهم».
الصلاح الإنساني طبيعةٌ صالحة. والجماعة الصالحة هي التي تقدر أن تُصلح ولا تسمح لنفسها بالإفساد مهما كان الظلم عليها شديداً. أما الفساد البشري فهو طبيعة فاسدة. والجماعة الفاسدة قدرتها على الإفساد كبيرة وليس في نفسيتها ما يدفعها الى الإصلاح لأنها ترى أن في الإصلاح فقداناً لطبيعتها الفاسدة.
فمن ينتظر من الفاسدين إصلاح حالة الجيل الراهن كالذي ينتظر من السراب ماءً، ومن يتوقع من الصالحين أن يفقدوا الأمل بالإصلاح ويلتحقوا برعاع هيجان الفاسدين خاب رجاؤه.
وفلسفة النظرة القومية الاجتماعية الى القيم الاجتماعية الإنسانية واضحة وجلية في مقولتها التي تتضح يوماً بعد يوم هي أن:
لا إصلاح إلا َّ بالصلاح، وحيث يُوجد الصالحون يهون الإصلاح.
*باحث وشاعر قومي مقيم في البرازيل.