في يوم المرأة العالمي… في أربعينية ليندا مطر
} معن بشور
اسمحوا لي في بداية هذه الكلمة أن أتوجه بخالص الشكر للمجلس النسائي اللبناني وعلى رأسه الأخت الصديقة والمناضلة والمربية عدلا سبليني زين التي نأمل أن تكون قيادتها لهذا المجلس ناجحة كما كانت إدارتها لثانوية فخر الدين الرسمية للبنات التي تحوّلت بفضلها، ومن معها إلى واحدة من أهم الثانويات في لبنان.
واسمحوا لي أيضاً أن أحيّي كلّ السيدات والمناضلات اللواتي ترأسن المجلس منذ تأسيسه قبل 70 عاماً، رحم الله من رحل منهن، وأطال عمر الباقيات، وهنّ: ابتهاج قدورة، لور ثابت، نجلا صعب، إميلي فارس إبراهيم، أمان كبارة شعراني، إقبال مراد دوغان، فائقة تركية، جمال هرمز غبريل.
واسمحوا لي أيضاً أن أحيّي في يوم المرأة العالمي، المرأة اللبنانية الصابرة الصامدة في مواجهة حرب متعدّدة الأوجه تستهدف وحدة هذا البلد وكرامته ولقمة خبز أبنائه، المرأة اللبنانية المتفوّقة في مجال الفكر والأدب والثقافة والمهن على أنواعها، وان نحيي مناضلات كبيرات كـ زاهية سلمان ووديعة قدورة خرطبيل ولور مغيزل وأنيسة روضة نجار ووداد شختورة وغيرهن ممن تعاونوا معاً في جملة مجالات إنسانية ووطنية وقومية، وأن نحيّي أيضاً أمهات الشهداء في فلسطين واللواتي بُتّنَ بشجاعتهن وصلابتهن رموزاً للمرأة العظيمة في العالم.
في كلّ مرة كنت التقي بها راحلتنا الكبيرة السيدة ليندا مطر كنت ألمح في وجهها المثخن بالهموم والسنون والعقود براءة تذكّرني بقول للرسام الإيطالي الشهير ليوناردو دافنشي: «البراءة لا تشيخ»، في معرض إجابته على سؤال عن سبب حرصه على رسم وجه طفلة للوحته الشهيرة لاجوكندا..
مع ليندا مطر لم تكن تشعر انّ البراءة وحدها لا تشيخ، بل كنت تشعر انّ الإيمان بالحق عندها لا يشيخ، وأنّ النضال في سبيل الحقوق، سواء كانت حقوق المرأة أو الإنسان أو الكادحين أو الوطن أو الأمة أو الإنسانية لا يشيخ أيضاً، فلقد ملأت ليندا مطر التي اختارتها مجلة ماري كلير الفرنسية واحدة من بين مئة أمرأة مؤثرة في العالم، حياتها بالعطاء والوفاء والنقاء.
وفي كلّ مرّة كنت أراها في مظاهرة مطلبية أو وطنية أو متصلة بالحق الفلسطيني والعربي أسأل نفسي متى ستتعب هذه المناضلة الكبيرة؟ وكان الجواب يأتيني مشعّاً من خلال ابتسامة ترتسم على وجه ليندا لتقول «من كان مؤمناً بحق لا يتعب حتى ينتصر».
رغم أنّ ليندا مطر كانت ملتزمة فكرياً وحزبياً في زمن لا يميّز فيه الكثيرون بين الحزبية والتحزّب، بين الأيمان والتعصب، بين الأفكار والاصنام، إلاّ انها نجحت في أن تكون، بهدوئها ودفئها، جسراً بين من يختلف معها بالرأي أو الفكر أو الانتماء الحزبي، لأنها كانت ديمقراطية النهج، وحدوية الخطاب، مدركة انّ نهوض الأمم لا يتحقق إلاّ إذا تكاملت الجهود وتعدّدت الأفكار، وتفاعلت الآراء، وهو أمر لا يتوفر إلاّ بوجود جسور تقوم بين الناس، تًبرز لهم المشتركات وتحاصر فيهم التباينات، ولعلّ في تنوع المحتفين بالمناضلة ليندا مطر في هذا الحفل، متحدّثين وحاضرين، كما في الترحم عليها يوم رحيلها إلاّ دليل انه إذا كان للعصبيات تأثيرها المؤقت في زمن التناحر، فإنّ للجسور أثرها البالغ في كلّ زمان.
ليندا مطر لم تكن مجرد ثائرة نسائية في لبنان والوطن العربي والعالم فحسب، ولم تكن مناضلة لم تغب يوماً عن ساحات النضال، بل كانت أيضاً مدرسة يلتقي فيها كلّ من حمل جملة أفكار ومبادئ وثوابت أبرزها انّ الحق لا يتجزأ، سواء كان حقاً نسائياً أو اجتماعياً أو وطنياً أو قومياً أو انسانياً، وان النضال من أجل الإصلاح والتغيير في بلادنا لا ينفصل أبداً عن النضال من أجل الاستقلال والتحرر، واللبناني الحق هو المنتصر للحق الفلسطيني وللحق في كلّ مكان لأنّ لبنان ليس مجرد وطن عزيز لأبنائه بل هو منارة مشعّة للحقوق، كما كانت بيروت يوماً عاصمة لأول كلية حقوق في العالم.
وفي مدرسة ليندا مطر تعلّم كثيرون كيف يمكن للمناضل ان يترجم عقيدته وأفكاره ومبادئه في سلوكه وخطابه وفعله بدفء وهدوء، وكأني بها تذكرني بقول جميل لأستاذنا الراحل الكبير منح الصلح في الثائر والمبدع الفلسطيني الكبير غسان كنفاني: «كانت أفكاره حول فلسطين مثل الفيتامين سي في البرتقالة، تحسّ بفوائده دون أن تراه»…
فالإيمان بالأفكار إذا أخذ شكلاً استعراضياً أساء للأفكار وحامليها، والانتماء للأحزاب إذا أصبح مظهرياً أضرّ بالأحزاب نفسها.
وليندا مطر التي أعطت حياتها لقضيتها، أعطت أفكارها وانتماءها دون تبجّح أو استعراض.
في تأبين ليندا مطر، وفي يوم المرأة العالمي، لا بدّ أن نتذكر قامات لبنانية كبيرة، لا سيّما رفيقة عمرها التي لم نكن نرى ليندا مطر إلاّ معها، المناضلة عزة الحر مروة – رحمها الله – ورحم كلّ رائدة من رائدات الحركة النسائية اللبنانية والعربية والإنسانية الكبيرات.
*كلمة بمناسبة يوم المرأة العالمي
وفي أربعينية المناضلة الراحلة ليندا مطر