مقالات وآراء

ومن يكسر قيد الفكر إلا مقاوم برتبة معلم

‭}‬ جابر جابر
ما كلّ الإصابات مقتل، فبعضها قد يجرحك وبعضها يشلّك كأن تصاب أمة بالفساد في إداراتها المالية والاقتصادية فيرزح الكلّ تحت وطأة النزف البطيء، وشلل متنوع خماسي ورباعي وما إليه، وقد يعينك في حال اقتصر الضرر على هذه المرافق، عمل أكفاء اليد والعقل فتتماثل للشفاء وإن بشكل بطيء.
أما مقتل المجتمعات، والذي يصيبها اهتراءً في الجوف، ونزفا داخليًّا سامّا، ومتلازمة شاقة لا تنجو بموت رحيم، هو إصابتها في مقتلها، ومقتل المجتمعات هذا هو قطاع التربية.
لطالما كان النهوض فكراً وتعليماً وتعلماً بحيث أنه استثمار في العقول، في الفكر وفي الفهم. استثمار ينجو بمساحات جرداء من عقل ليزرعها ويسقيها فتجود بمكونات تحيي وترمّم.
فالتربية تصقل الموهبة، تغذي الروح، تكسر أبواب الجهل والتبعية والرجعية والتعميم، تنعش الركود الآسن عبر اجترار الرثّ من المعتقدات، تحفّز الألباب، تشرّع طاقات الطموح، تفتح نوافذ الاختراع والتطوّر والتقدّم، تشرّع الاختلاف والنقاش والتحقيق والتحقق والتصويب والتيقّن، بل إنها تكسر قيد الفكر والنفس الذي هو أعظم من قيد المعاصم.
يصادف عيد المعلم في آذار، في شهر الانبثاق، ويلي عيد المعلم المعلم، الأنطون، الذي لطالما دعا إلى الاهتمام بالتربية، وإعطائها الحيّز الأكبر من الاهتمام لما تشكله من حجر أساس لنهضة الشعوب.
يقول المعلم سعاده:
«التربية نظام عام يمرِّن عقول أعضاء الأمة الواحدة ويوحدها والغرض منها أن لا تقتصر على تغذية الذكاء بمقدار كافٍ من الأفكار، بل أن تحضّ الأخلاق على طلب مثل عليا مشتركة».
أين نحن اليوم من التعليم، من المهنة في مجتمع أكثر من الجور على أبنائه لا سيما المعلمين، فتلاشوا وخارت قواهم أمام الانفلات والفساد والإفساد الأخلاقي والاقتصادي، قضمت حقوقهم بل تمّ ابتلاعها، وتناتشتها مصالح الأحزاب اللامُصلحة بل المصلحية، فثار المعلمون ليُقمعوا، وأضربوا ليعودوا قانعين بالفتات، في وقت يعجز فيه بعض المعلمين عن تأمين القوت لأبنائهم بل من التمكّن من تحمّل مصاريف. التنقل من وإلى المدارس.
وفي المحصلة يشكل كلّ هذا، ضربة قاصمة في صميم التربية كقطاع، من تلامذة تأخر معظمهم سنوات منذ وباء كورونا ولا زالوا، ومعلم لم يعد يتمكّن من تحمّل الأعباء ليقدّم رسالته العظيمة، فيما تقبع الحكومات والوزارات في سمسرات الدولة التي تستمرّ في السقوط والتدحرج من هاوية إلى هاوية في زمن يطغى عليه الانحطاط العام.
لا نهضة للشعوب إلا بالحرف والكلمة والأخلاق والفكر، إلا بالمعلم، إلا بالتربويين الذين إذا ما استلموا دفة السفينة، أبحرت بنا وسط العواصف وأخرجتنا من القاع إلى النهضة.
فيا كلّ من تؤمنون بالنهوض، أنصفوا المعلم كلّ يوم لا في عيده فحسب، ومكّنوه لنتمكن وتتمكن أجيالنا من النهوض.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى