دلالات عودة العلاقات السعودية الإيرانية من بكين…
} حسن حردان
جاء البيان السعودي الإيراني الصيني بإعلان اتفاق طهران والرياض على عودة العلاقات بين البلدين وتفعيل اتفاقية التعاون الأمني بينهما، وكذلك تفعيل الاتفاقيات الاقتصادية الموقعة بين البلدين، جاء بمثابة مفاجأة من حيث مكان الإعلان، وتوقيته، والتداعيات التي سيحدثها..
أولاً، شكّل الإعلان من العاصمة الصينية بكين دلالة لافتة على نجاح بكين في لعب دور هامّ في تحقيق هذا النجاح في الحوار الإيراني السعودي، الذي بدأ في العراق، ومن ثم في سلطنة عُمان، وما أفضى إليه من نتائج إيجابية.. وهو ما يُعتبر، في رأي المراقبين والمحللين، مؤشراً قوياً على تعزيز الحضور والنفوذ السياسي والدبلوماسي للصين في المنطقة، يلاقي مشروعها الاقتصادي الضخم «الحزام والطريق»، «طريق الحرير سابقاً»، والذي شقّ طريقه بقوّة عبر الاتفاقيات الاستراتيجية للتعاون الاقتصادي التي وقعت بين الصين وكلّ من إيران والسعودية.. مما يوجد البيئة المواتية كي يشقّ هذا المشروع الصيني طريقه للتحقق في إيجاد البيئة المواتية له من الأمن والاستقرار والتعاون..
ثانياً، من دون شكّ أنّ ايّ تعزيز للدور والحضور الصيني في هذه المنطقة الحيوية، لا تنظر اليه واشنطن بارتياح، بل انه يزعجها ويشكل ضربة لخططها في السعي إلى الحدّ من تنامي الدور الصيني على الصعيد العالمي، على حساب الدور والحضور الأميركي.. لهذا فإنّ هذا النجاح الصيني إنما يدلل على مدى التراجع في النفوذ الأميركي.. والذي لا يحجبه إعلان واشنطن بأنها كانت على علم بالخطوة الإيرانية السعودية قبل حصولها..
ثالثاً، يُعتبر الإعلان خطوة مفاجئة لكيان الاحتلال الإسرائيلي، وصفعة قوية لأحلام وخطط رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو، الذي طالما كان يراهن على توتير العلاقات السعودية والخليجية، مع إيران، وإقامة جدار سميك من العداء بينهم، بتصوير إيران العدو الأول لدول الخليج، وذلك من أجل فتح وتعبيد الطريق أمام إقامة حلف إسرائيلي عربي وخصوصاً خليجي، في مواجهة إيران، وبالتالي حرف الصراع في المنطقة عن وجهته الأساسية بما هو صراع عربي صهيوني.. على انّ الصفعة التي تلقاها نتنياهو بعودة العلاقات السعودية الإيرانية، جاءت في توقيت يواجه فيه نتنياهو وحكومته أعنف أزمة داخلية تهدّد بتقويض حكومته، وكذلك بانهيار الكيان، في حال استمرارها، وإصرار نتنياهو على إجراء التعديلات القضائية التي يريدها للتحكم بالسلطة القضائية، بغية حماية نفسه من الملاحقة بتهم الفساد، وملاحقة بعض حلفائه من الأحزاب الدينية المتشددة، وذلك للحفاظ على تماسك حكومته، المرهون ببقاء الائتلاف مع هذه الأحزاب..
رابعاً، بالقدر الذي سيترك فيه الإعلان تداعيات سلبية على مشاريع وخطط الكيان الصهيوني، في المنطقة، فإنه ستكون له انعكاسات ايجابية في اتجاهات عديدة:
1 ـ باتجاه إنهاء مرحلة التوتر في العلاقات الخليجية الإيرانية، وفتح صفحة جديدة من عودة هذه العلاقات إلى طبيعتها بين دول جارة، علاقات تقوم على الصداقة والتعاون والتنسيق في كلّ الشؤون والقضايا المشتركة، التي تهمّ الجميع، الأمر الذي يسهم في تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة.. وينعكس إيجاباً بتطوير التعاون الاقتصادي وتنشيط التبادلات التجارية، بين إيران والدول الخليجية.. مما يزيد ويشجع الشركات ورجال الأعمال على إقامة المشاريع أو المشاركة في مشاريع استثمارية في المنطقة
2 ـ باتجاه توفير مناخات إيجابية تسهم في المساعدة على إيجاد حلول للكثير من الأزمات، لما للسعودية وإيران من تأثير وحضور في المنطقة.. وبالتالي التخفيف من حدة الازمات.. ولهذا فإنه مجرد الإعلان سرعان ما ترك أثره الايجابي في عموم دول المنطقة، طبعا ما عدا كيان الاحتلال الصهيوني.
3 ـ باتجاه تعزيز التوجه الذي يغلب المصالح المشتركة، التي تجمع دول المنطقة، وهي كثيرة، وبالتالي الحدّ من التدخلات الخارجية، لا سيما الأميركية، التي كانت تقف وراء توتير العلاقات تحقيقاً لمصالحها الاستعمارية.. وعقد المزيد من صفقات السلاح.
انطلاقاً مما تقدّم يمكن القول انّ الإعلان الإيراني السعودي الصيني، في المكان والتوقيت، إنما يشكل خطوة مهمة من حيث دلالاته وانعكاساته وتداعياته الإيجابية المتوقعة…