يوم مشهود في العلاقة الشعبية اللبنانية ـ الفلسطينية ـ السورية
} معن بشور
قوافل المساعدات التي تحركت ولا تزال من كلّ لبنان الى منكوبي الزلزال المدمّر في سورية، والتي شارك فيها لبنانيون وفلسطينيون من مختلف ألوان الطيف السياسي والاجتماعي أعادت بي الذاكرة الى يوم مشهود في تاريخ العلاقات الشعبية اللبنانية ـ الفلسطينية ـ السورية قبل عشرين عاماً، أيّ اليوم الذي زحف فيه أكثر من 150 ألف لبناني وفلسطيني من كافة المدن والبلدات والقرى والمخيمات الى القصر الجمهوري في بعبدا، والى ساحة قصر الضيافة في دمشق ليحيوا موقف الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد والرئيس اللبناني العماد أميل لحود على وقفتهما قبل أيام في القمة العربية في شرم الشيخ ليعلنا رفضهما القاطع للحرب الأميركية على العراق وتحذيرهما المبكر من تداعيات تلك الحرب على المنطقة بأسرها والتي ما زلنا نعيش تداعياتها في سورية ولبنان وفلسطين وعموم هذه المنطقة العربية والإسلامية…
في تفاصيل الإعداد لذلك اليوم المشهود الذي أكدّ فيه لبنانيون أحرار وفلسطينيون مقاومون عمق العلاقة مع سورية، وعمق التلاحم مع العراق المحاصر والمهدّد بحرب عدوانية شاملة، أن الفكرة بسيطة جاءت حين كنت والأخ يحيى المعلم «منسق خميس الأسرى في سجون الاحتلال الصهيوني» نستمع الى خطاب الرئيس بشار الأسد في القمة العربية في شرم الشيخ فهزّتنا كلمته الجريئة والقوية، والمتكاملة مع كلمة الرئيس الصادق إميل لحود، ورددنا بيت الشاعر:
أسمعت لو ناديت حيّاً ولكن لا حياة لمن تنادي
رفيقي يحيى قال: «لماذا لا نخرج من بيروت وكلّ لبنان في مسيرة الى دمشق، كما كان اجدادنا وآباؤنا يفعلون أيام الوحدة المصرية ـ السورية، ونحتشد في ساحة قصر الضيافة…»
لم تكن الفكرة بحاجة الى شرح وتوجهنا فوراً لنلتقي العميد محمد خلوف (ولم يكن آنذاك سفارة سورية في لبنان)، ونطلب منه إبلاغ القيادة السورية برغبتنا بتنظيم مسيرة الى دمشق، لتسهيل دخول كلّ المشاركين بمن فيهم من كان ممنوعاً من الدخول لأسباب سياسية معروفة .
كان ذلك يوم السبت في الأول من آذار 2003، واذ باللواء رستم غزالة (رحمه الله) يتصل بي بعد يومين ويبلغني انّ القيادة في دمشق ترّحب «بالجميع»، وحين سألته هل تقصد بالجميع حتى الذين كانوا ممنوعين من دخول سورية أجاب: «الجميع… يعني الجميع».
تواصلنا مع الأخوة في تجمع اللجان والروابط الشعبية المنتدى القومي العربي والحملة الأهلية لنصرة فلسطين وقضايا الامة ووضعناهم في الأجواء، وبدأنا التحضير لمسيرة «الوفاء والكرامة» الى بعبدا أولاً ثم الى دمشق، ودعونا أكبر عدد من الشخصيات الوطنية والأحزاب والمنظمات والجمعيات اللبنانية والفلسطينية الى اجتماع يوم، الخميس 6/3/2003 في فندق الكومودور واتفقنا على تحديد يوم الأحد في 9/3/2003 يوماً للمسيرة واخترنا لرئاسة المسيرة الأرزة اللبنانية العربية الشامخة، رئيس السن في مجلس النواب الراحل الكبير الشيخ قبلان عيسى الخوري، واتفقنا ان يكون إذن الدخول الى دمشق دون مرور على الحواجز هو علم لبنان عليه توقيعي، كما اتفقنا ان تتولى كلّ جهة تكاليف السفر.
وما ان حلّ صباح الأحد الموعود حتى امتلأت ساحات المدن والبلدات والقرى من العاصمة الى الجبل الى الجنوب الى البقاع، طبعاً الى الشمال حين اختار المشاركون طريق حمص ـ دمشق بديلاً عن طريق المصنع – دمشق.
وصلنا الى بعبدا حيث استقبلنا الرئيس الوطني الشجاع العماد اميل لحود مرحباً ومؤكداً انّ الدفاع عن العراق اليوم هو دفاع عن لبنان وسورية وكلّ المنطقة، بل هو دفاع عن فلسطين لأنّ الحرب على العراق هي حرب صهيونية بأدوات أميركية أطلسية.
ومن بعبدا توجهنا الى دمشق حيث كان في انتظار «المسيرة» على الحدود زميلان من أركان المنتدى القومي العربي المحاميان هاني سليمان وسامي عبود المكلفان بتسهيل مرور المسيرة مع اللواء رستم غزالة .
ولاحظنا في ما بعد انّ السيارات والباصات الزاحفة من بيروت والجبل والجنوب والبقاع وحدها قد ملأت الطريق بجهتيه من الحدود حتى قصر الضيافة في دمشق، حيث كانت كلمات في للجماهير المتدفقة لكلّ من الراحل الشيخ قبلان عيسى الخوري ونائب الأمين القطري لحزب البعث في سورية الراحل سليمان قداح، فيما تحدث الدكتور هاني سليمان باسم المشاركين، الذين انتقلوا بعد الكلمات في مسيرة ضخمة الى قصر الروضة حيث وقف الرئيس الأسد يحييهم من شرفة القصر لمدة ساعتين وقد ارتفعت في المسيرة صور الرئيسين الشهيدين الرئيسين صدام حسين وياسر عرفات جنباً الى جنب صور الرئيسين بشار الاسد وإميل لحود، ثم استقبل الرئيس الأسد بحضور وزير الاعلام السوري آنذاك د. عدنان عمران وفداً من الوزراء والنواب وقادة الأحزاب وممثلي الفصائل الفلسطينية في قصر الروضة، في لقاء حميم جرى فيه استشراف احتمالات ما سيواجه المنطقة إذا نجح أهل الحرب في واشنطن وتل أبيب في احتلالهم للعراق .
وهكذا كان يوماً لبنانياً ـ فلسطينياً ـ عربياً مشهوداً على أرض دمشق للتضامن مع العراق في مواجهة الحرب الأميركية – الصهيونية، وخصوصاً انّ سورية ما تخلّت يوماً عن مسؤولياتها القومية تجاه أشقائها العرب وعن حقهم في مقاومة الأعداء .