دبوس
وداعاً لنهج الهيمنة
لقد وضع الله فلسفة التنوّع والاختلاف بين بني البشر، ثم أفاض في جدلية التعريف في ما وراء هذا التنوع، وهو التعارف، ومن ثمّ تبادل المعرفة والتجربة لما فيه مصلحة الكلّ الإنساني، ثم انه بيّن بلا مواربة أيّ المخلوقات الإنسانية حريّ به ان يكون مفضلاً متقدّماً على الآخرين، فهو ليس الأنصع بياضاً، ولا الأكثر جمالاً، ولا الأفتل عضلاتاً، ولا الأحدّ ذكاءً، اذ انّ جميع هذه الميزات هي صناعة ربانية، ليس للإنسان يد في تكوينها، لا من قريب ولا من بعيد، الشيء الوحيد الذي هو صناعة إنسانية، هو العمل، انْ كان صالحاً، او كان طالحاً…
لكن الأنغلوساكسون لهم رأي آخر، هم يرون انّ البقاء للأفضل، ويحتكر لنفسه معايير الأفضلية، ثم انه يعطي لنفسه الحق في إبادة الأقل أفضلية، فلقد حدّد مسبقاً انّ من يحقّ له البقاء هو الأفضل، وما عدا ذلك فإلى فناء…!
وعليه… ما دخلت أمّ الأنغلوساكسونية، بريطانيا العظمى، ثم وريثتها بعد ذلك، امبراطورية الأنغلوساكسون العظمى، أميركا، ما دخلت أرضاً إلا وجعلت عاليها سافلها، ورفعت أراذلها، وأذلّت أعزتها، وبوّأت المرتشين والكذّابين ومنعدمي الأخلاق أعلى المراتب، وقذفت بالمبدعين والخلاقين وأصحاب الأيادي البيضاء إلى غياهب النسيان، ألّبت الأخ ليفتك بأخيه، والجار ليبغض جاره، وحرّضت الناس على بعضهم بعضاً لتندلع الحروب والفتن، وما هدأ لها بال حتى أحالت الأرض إلى ساحات تشتعل بالحروب والويلات، وجعلت البغضاء تنتقل بين الناس كما النار في الهشيم، فقاتل الكوري أخاه الكوري، والفيتنامي أخاه الفيتنامي، وحرّضت جيران الصين عليها، وحرّضت جيران روسيا عليها، وتحرّض جيران إيران عليها، ولكن الليل الطويل سينجلي، والصباح ستبزغ شمسه…
هكذا بدأت قوى الشرق تمسك بزمام الأمور، فتصلح الصين بين إيران والسعودية، وتنزع أشراك البغضاء من بين الجيران، وتتصدّى روسيا لمبادرة مماثلة بين سورية وتركيا، نهج لطالما اشرأبت أعناقنا لرؤيته، نهج التسامح والاخاء والتعارف لما فيه مصلحة الإنسانية برمّتها، نهج يمثل النقيض الفلسفي لتوحش واجرام وأنانية الغرب، دعونا نتفاءل.
سميح التايه