الرؤية الحضارية الإسلامية تجاه قضية البيئة
} السيد كميل باقر*
بالرغم من كثرة مهامّه وانشغالاته، إلا أنّ سماحة الإمام الخامنئي من موقعه كقائدٍ للثورة الإسلامية، يقوم ـ على أبواب فصل الربيع في كلّ عام ـ بغرس شجرةٍ ويقول: «إنّ غرس الشجرة حركةٌ ثورية وإسلامية بامتياز». هذا التأكيد والإصرار اللفظي والعملي يَرمُزُ إلى أهمية البيئة في المنظومة الفكرية والقيمية الإسلامية ومكانتِها في مشروع الحضارة الإسلامية الحديثة الذي يُعَدُّ الهدفَ النهائيّ والمرحلة الأخيرة من مراحل الثورة الإسلامية.
في الحقيقة، هناك مفارقةٌ كبيرة بين رؤية الحضارة الإسلامية للبيئة ورؤية الحضارة المادية الغربية تجاه هذه القضية المهمة، ككثيرٍ من القضايا الإنسانية والمجتمعية الأخرى. الحضارة الغربية رغم شعاراتها الرنانة ارتكبت أسوأ الجرائم الفتاكة ضدّ البيئة والطبيعة. العلم دون الأخلاق، والرأسمالية الاستهلاكية المتَوحّشة، والفردانية الشخصية، التي تشكّل الدعائمَ الرئيسية لهذه الحضارة المادية، تُعَدُّ جذورَ أغلب الكوارث البيئية في أنحاء العالم كافةً.
انحسار الغابات وتخريب المساحات الخضراء، تلوّث المياه والهواء، الاحتباس الحراري وتغيّر المُناخ، أزمة النفايات والإشعاعات النووية، انقراض أنواعَ مختلفةٍ من النباتات والحيوانات، إشعال الحروب وتدمير الطبيعة، وكثيرٌ من الجنايات الأخرى بحقّ البيئة، تضافُ جميعها إلى سجلّ الانتهاكات والجرائم البشعة التي ارتكبتها القوى الاستكبارية والحضارة الغربية المنحطة التي تسير نحو الزوال.
اليوم، الولايات المتحدة الأميركية كرمزٍ وقائدٍ للحضارة الغربية المادية، هي المخرّب الأكبر للبيئة وهي العدوّ الأوّل للطبيعة والبشرية، والنظام الأميركي يقف بصلافةٍ ولا يأخذ في الحسبان القراراتِ الدولية في مجال الحفاظ على البيئة، ولا يلتزم عملياً بالاتفاقيّات والمعاهدات الدولية في هذا الشأن.
في المقابل، تُقدّم الثورة الإسلامية رؤيةً أصيلة ومعاصرة ومنظومةً فكرية وعملية شاملة ومتكاملة تجاه قضية البيئة بهدف الحفاظ على الطبيعة. إنّ رؤية الإسلام للبيئة والطبيعة هي رؤيةٌ عاطفية وأخلاقية ومعنوية وتوجيهية، تستند إلى أسسٍ مُحكمة وعادلة وحكيمة ومتوازنة وبنّاءة. هذه المنظومة الفكرية والعملية مبنيةٌ على القيم الإلهية والأخلاقية وفي مُقدّمها مبدأ العدالة. والعدالةُ هي الحلقة المفقودة والمغيَّبة كلياً عن قاموس الحضارة الغربية المادية.
في رؤية الحضارة الإسلامية، صحيحٌ أنّ الأرض والطبيعة والبيئة كلَّها خُلقت وسُخّرَت من أجل البشر، إلا أنّ المقصود بالبشر ليس مجموعةً خاصة أو جيلاً محدّداً منهم، بل الأمر يتعلّق بجميع البشر، وعلى جميع الأجيال أن تعلم أنّها تحمل أمانةً للأجيال القادمة وعلى الجميع أن يحافظ على هذه الهبة الإلهية بأمانة، وأنّ من يخرّب الطبيعة إنما يرتكب خيانةً بحق جميع الأجيال التي ستأتي من بعده.
يقدّم سماحة الإمام الخامنئي ـ دام ظله ـ في كتابه «الحفاظ على البيئة» هذه الرؤية الحضارية المتكاملة حول البيئة ويطرحُ حلولاً عملية وواقعية لمعالجة الأزمات المتعلقة بالبيئة وإصلاحِ ما أفسدَته الحضارةُ الغربية المادية خلال القرون القليلة الماضية.
*المستشار الثقافي للجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان