تحدي قمة الأسد بوتين بين احتواء تركيا وتعافي سورية
ناصر قنديل
– تقع القمة التي جمعت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس السوري بشار الأسد على رأس وفدين حكوميين كبيرين، في مكانة مختلفة عن القمم السابقة التي جمعت الرئيسين في ظروف الحرب التي شنتها واشنطن على رأس تحالف دولي إقليمي كبير ضد سورية، ووقفت فيها روسيا وإيران وقوى المقاومة في المنطقة إلى جانب سورية، وكانت القضايا العملية المرتبطة بظروف الحرب تطغى على جدول أعمال تلك القمم وتفرض مواعيدها وجداول أعمالها.
– تأتي هذه القمة بعدما ترتب على نتائج الحرب التي خرجت فيها روسيا وسورية وإيران والحلفاء على ضفاف نصر كبير، رغم المصاعب الكبيرة والكثيرة الموروثة من الحرب ومن بعدها الزلزال، فمقدمات التقدم الروسي الى خط الاشتباك المباشر مع المشاريع الأميركية، كما قالت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا وما ترتب عليها من اصطفافات دولية وإقليمية وتغيير في الخريطة السياسية والعسكرية والاقتصادية في العالم، تبلور في ضوء نتائج الحرب السورية، ومثلها مقدمات التسارع في الانتقال الصيني من الصعود الاقتصادي إلى الصعود السياسي الذي ترجمه دور بكين كشريك في الاتفاق السعودي الإيراني وما يعنيه دولياً وإقليمياً. فقد قالت الحرب إن دولة بحجم سورية بقدر متواضع من الدعم من الحلفاء مقارنة بحجم ما رصدته واشنطن وحلفائها لإسقاط سورية، قادرة على إسقاط ابرز الحروب الأميركية في القرن الحادي والعشرين، فماذا لو وضعت روسيا والصين ثقلهما لخطط هادئة ومدروسة وشجاعة لتحطيم قيود وسلاسل الهيمنة الأميركية على العالم؟
– تدرك سورية أن أحد عناصر التقدم والنجاح هو قدرة جبهة حلفاء مواجهة الهيمنة الأميركية على تفكيك جبهة حلفاء واشنطن في خوض حروب الهيمنة، وأن هذا ما فعلته روسيا وإيران مع تركيا في استثمار الصمود السوري ولغة الردع من جهة، وفي فتح باب التموضعات الجديدة على الضفة السياسية تحفظ لهؤلاء الحلفاء مواقع أفضل من موقع الخاسر حكماً في ضفة الحروب الأميركية، وهو ما فعلته الصين وإيران مع السعودية في استثمار صمود اليمن من جهة، وصعود قوة إيران من جهة موازية وتراجع القوة الأميركية وعجزها عن لعب دور الحامي المطمئن والضامن الموثوق للأمن. وبالمقابل تقديم الحوافز التي تشجع على الانتقال إلى ضفة الاستثمار على الشراكة في الأمن والتنمية، وهذا يعني أن سورية تدرك أن أمام القمة مهمة دقيقة تستدعي الأخذ بالاعتبار كيفية تبني خطط وبرامج تحتفظ بهذه الميزة، دون التفريط بأبرز مبادئ وثوابت التحالف الروسي السوري وسائر أركان جبهة مواجهة الهيمنة، وهو سيادة الدول ووحدة أراضيها. والمعنى هنا هي سورية التي تحتل تركيا أراضيها وتهدّد وحدتها برعاية جماعات إرهابية انفصالية.
– تدرك روسيا أن ما هو على المحك ليس كيفية الحفاظ على ما تحقق من تقدّم في مسار جذب تركيا من الحضن الأميركي، بل كيفية تقديم التحالف الروسي السوري كوصفة قابلة للتعميم للقول لدول العالم المتضررة من حروب الهيمنة، إن روسيا حليف يمكن الوثوق به، لا يساوم على حقوق الحلفاء ومصالحهم، ولا على مبادئ وحدة وسيادة الدول، ولا يقدم من حقوق الشعوب ومصالحها هدايا للمعتدين، تحت شعار ضرورات السياسة تبيح محظورات الأخلاق والمبادئ. وهذا الأمر نفسه مطروح في المباحثات الخاصة مع السعودية حول اليمن لاحقاً، ولذلك فإن روسيا معنية أكثر من أي وقت مضى أن تظهر مداخلتها في الحرب السورية بوليصة تأمين سياسية اقتصادية عسكرية لتعافي الدولة الوطنية السورية، وإلا ما معنى كل التضحيات والانتصارات إذا انتهت بسورية دولة فاشلة ومجزأة تتقاسمها الاحتلالات والنفوذ الأجنبي وتسطو على ثرواتها قوى أجنبية تتقاسمها مع عصابات إجرامية؟
– لا مزيد من الوقت للمواقف المبدئية فهي محسومة وواضحة تدركها القيادتان، المطروح اليوم هو كيف تنجح القيادتان في ترجمة هذه الثوابت بخطط عملية دقيقة وآليات تنفيذية بجدول زمني، بما يفتح الطريق لتبلور الخريطة العالمية الجديدة، لانكفاء أميركا وراء الأطلسي في حلف أوكوس الذي يضمّ أميركا وبريطانيا واستراليا بدلاً من حلف الناتو وليس إلى جانبه، بعدما دخلت أوروبا مرحلة التحول الى رجل القرن المريض، ما يفتح الطريق لروسيا المتوسطية والصين الخليجية، وروسيا لم تكن متوسطية ولن تكون دون سورية قوية وموحدة وسيدة ومتعافية.