اغتيال ولي العهد…؟!

‭}‬ د. علي أكرم زعيتر*
لا يختلف اثنان حول العالم على ما يلي:
1 ـ أنّ الاتفاق السعودي ـ الإيراني أرسى أساسات التهدئة والحوار في المنطقة، وأنه سيسهم مستقبلاً في التخفيف من وطأة الاحتقان المذهبي، على اعتبار أنّ الدولتين المحوريتين اللتين وقعتا الاتفاق هما رائدتا الإسلام السني والإسلام الشيعي في العالم.
وعليه، فمن المتوقع أن نشهد انفراجات كبرى في كلّ من: اليمن، لبنان، سورية، العراق.
2 ـ أنّ الصين وروسيا ومعهما العالمان العربي والإسلامي هما الرابح الأكبر من الاتفاق.
الصين لأنها راعية الاتفاق، ومن شأن رعايتها لاتفاق ناجح أن تسهم في تعزيز دورها ومكانتها في المشرق العربي، حيث يقع أكبر خزان نفطي خام في العالم.
روسيا، لأنها حليفة للصين، وخصمة للولايات المتحدة، والقاعدة تقول: ما دام صديقي بخير، فأنا بخير.
الأمتان العربية والإسلامية، لأنّ إيران والسعودية قطبا رحى بالنسبة لهاتين الأمتين، ومن شأن تنفيس الاحتقان بينهما أن يعزز السلام والاستقرار ومشاعر الأخوة بين العرب والمسلمين.
3 ـ أنّ الولايات المتحدة الأميركية والكيان الصهيوني، ومعهما العالم الغربي المتضرّر الأكبر من الاتفاق.
غربيّاً، لأنّ التهدئة بين إيران والسعودية من شأنها أن تخفف من وتيرة الطلب على السلاح الغربي، فمعلوم بالضرورة أنّ السعودية والإمارات قد تحوّلتا خلال النصف الثاني من العقد المنصرم إلى أكبر مستورد للسلاح الغربي بفعل حربهما الآثمة على اليمن.
أميركيّاً، لأنّ نجاح الصين المنافس الاقتصادي الأول، وربما العدو الأول للولايات المتحدة الأميركية، في رعاية اتفاق بهذا الحجم من شأنه أن يعوِّم الدور الصيني في المنطقة والعالم على حساب الدور الأميركي الباحث بشكل دائم عن أزمات.
«إسرائيليّاً»، لأنّ التقارب السعودي ـ الإيراني، سيعيد لمّ شمل العرب والمسلمين، ولا يخفى على أحد، أنّ أيّ وفاق عربي ـ عربي، إسلامي ـ إسلامي، يقلق الكيان الصهيوني، ويثير الذعر في نفوس قادته. فالعرب مشتتون لقمة سائغة في فم الكيان المؤقت، بينما يغدو ابتلاعهم وهضمهم صعباً عندما يكونون متحدين.
أضف إلى ذلك أنّ الكيان الصهيوني، كان قد بدأ يطمح خلال الأعوام الثلاثة الماضية إلى أن يكون جزءاً من تحالف عسكري عربي إسلامي ضدّ إيران، تشارك فيه المملكة السعودية. ويبدو أنّ انخراط السعودية في اتفاق مصالحة مع إيران سيبدّد طموح وآمال وأحلام تل أبيب في قيادة هذا التحالف، بل وسيجعل من إمكانية تشكيل هكذا تحالف ضرباً من الخيال، وهذا ما يقض فرائس «إسرائيل».
إنّ اتفاقات أبرام أو أبراهام التي لطالما عوّلت عليها حكومة تل أبيب ستغدو أثراً بعد عين، ولن يُكتب للبيت الإبراهيمي أن يبصر النور، وهكذا ستضيع على »إسرائيل« فرصة اختراق الوطن العربي من بوابة الدين، بعدما عجزت طوال السنوات الماضية عن اختراقه عبر بوابة التطبيع السياسي والاقتصادي، وإنْ كنا لا ننكر وجود تطبيع خفي وعلني في كثير من البلدان العربية (مصر والأردن والمملكة المغربية نموذجاً).
الكلّ المجمع على ما سلف، لكن على ما يبدو، فإنّ هناك اختلافاً حول ملابسات ما جرى قُبيل وبعد توقيع الاتفاق، وحول نوايا وأهداف المملكة السعودية، وحول ما إذا كانت هذه الخطوة السعودية الجريئة صادقة، أم بغرض المناورة والنكاية السياسية في وجه حليفتها الدائمة الولايات المتحدة الأميركية.
في الواقع، هناك احتمالان، قد يجيبان معاً على تساؤلاتنا، وقد يصيب أحدهما ويخطئ الآخر.
الاحتمال الأول، أن تكون السعودية مدفوعةً بأجندة أميركية غربية، بمعنى أنّ إيعازاً ما وصل إلى ولي العهد محمد بن سلمان من البيت الأبيض، يقضي بفتح صفحة جديدة مع الإيرانيين، بغرض سحب فتيل الأزمة القائمة بينهم وبين حلف واشنطن، بحيث يبدو الأمر وكأنه إذعان أميركي أو إعلان هزيمة على حلبة الكباش الأميركي ـ الإيراني، ولكنه إعلان غير مباشر، أو غير رسمي، وهذا أسلوب معتمد من قبل الإمبراطوريات الكبرى، فعند مواجهتها صعوبات جوهرية على إحدى حلبات الصراع، أو إحدى الجبهات توعز إلى أحد وكلائها، كي يجري مفاوضات غير مباشرة باسمها، وبذا تحفظ ماء وجهها أمام القوى الكبرى.
بيد أنّ ما يجعل هذا السيناريو أو الاحتمال مستبعداً، بل وخياليّاً، هو استحالة انخراط أميركا في تفاوض من هذا القبيل، تحت المظلة الصينية.
إنّ إقدام الولايات المتحدة على خطوة من هذا النوع، يعني الإقرار ضمنيّاً، بدخول منطقة المشرق العربي (الشرق الأوسط) العصر الصيني، وعودة النبض إلى طريق الحرير التي لطالما خشيت واشنطن من عودتها.
الاحتمال الثاني، وهو الأكثر واقعية ومنطقية، أن يكون ابن سلمان، قد قرّر أخيراً أن يغرّد خارج السرب الأميركي، بعدما فقد الأمل من سياسات سيد البيت الأبيض الحالي (جو بايدن)، أو لعلّ المملكة تحاول، كما يردّد بعض المحللين السعوديين، التخلص من الابتزازات الأميركية ومن متلازمة الحليف الأحادي، لتبدأ بعدها مرحلة جديدة يطغى عليها مبدأ تعدد الحلفاء والأصدقاء.
فما المانع، وفقاً لهؤلاء المحللين أن تقيم السعودية علاقات ودية مع واشنطن ومع عدوتيها بكين وموسكو؟! إنّ المنطق السياسي المبني على أولوية المصالح يحتّم على الرياض أن تنوّع تحالفاتها، فلا تكتفي بلون واحد.
حقيقةً، إذا صحّ الاحتمال الثاني، فهذا معناه أنّ الرياض جدية في اتفاقها مع إيران، وهذا معناه أيضاً، أنّ هناك شهر عسل إيرانياً ـ سعودياً على المنطقة أن تتحضّر له، لأنه سيعيد قلب الكثير من المعادلات، وخلط الكثير من الأوراق، وفي مقدّمتها الأوراق اللبنانية.
يبدو أنّ بانتظار سمير جعجع، إذا صحّ هذا الاحتمال ربيعاً مزعجاً، سيتخلّله الكثير من الرياح الخماسينية الآتية من الربع الخالي، وصحراء طبس!
ولكن، هل هذا كلّ شيء؟! هل ستكتفي الولايات المتحدة بالتفرُّج على خسارتها للمنطقة؟ ألن تفعل شيئاً لمنع خروج المنطقة من العصر الأميركي، ودخولها في العصر الصيني؟
هل ستدع السعوديين والإيرايين يقضون شعر عسلهم بلا تنغيص؟!
من يعرف أميركا، يعرف جيدّاً أنها في مواقف من هذا النوع، تغدو أشبه ما تكون بزوجة الأب، أو بالضرّة التي يعتريها كيد النساء، والرغبة في الانتقام!
إذا ما ثبت لدينا مستقبلاً، أنّ ابن سلمان قد تحرك نحو الصين من تلقاء نفسه، ودون أمر عمليات أميركي، وأنه قرّر أخيراً الخروج عن الطريق الذي اختطّه أسلافه، والتنكّر لماضي المملكة المثقل بتلاوين التبعية لأميركا والغرب، والتمرّد على المشيئة الأميركية، فإنّ ابن سلمان سيواجه المصير نفسه الذي واجهه عمُّه الملك الفيصل في سبعينيات القرن الماضي، حينما أعلن عن وقف تصدير النفط الخليجي إلى الغرب، تضامناً مع مصر وسورية اللتين كانتا تخوضان حرباً ضروساً في مواجهة الكيان الإسرائيلي (عام ١٩٧٣).
إذا صحّ هذا الاحتمال، هل يصبح اغتيال ابن سلمان على يد المخابرات الأميركية أمراً وارداً…؟