سورية «الجديدة» والتكافؤ الاستراتيجي
} نمر أبي ديب
قد يرى البعض في آفاق الانفتاح العربي على سورية، حدود النتائج المترتبة إنسانياً وحتى اقتصادياً في هذه المرحلة، نتيجة الفاجعة الإنسانية من جهة، والحالة التدميرية التي ألَمَّت في الجغرافيا السورية بعد زلزال تركيا، لكنه في الحقيقة استثمار سياسي لنافذة إنسانية عبرت من خلالها المواقف العربية بما تُمثِّل من خلافات، من تباينات سياسية وتناقضات عربية عربية، نفق العودة الحتمية إلى سورية الدولة والنظام، انطلاقاً من مركزية الدور السوري في المنطقة وجملة المعايير الاستراتيجية التي فرضتها وما زالت ميادين الحروب المشتعلة في كلّ من سورية واليمن وصولاً إلى أوكرانيا، انطلاقاً من فرضية ربط الولايات المتحدة الأميركية مشروع الحلّ السوري، بنتائج ومفاعيل «الجبهة الأوكرانية» مروراً بالحضور الروسي المثمر والمؤثر في سياسات المنطقة وأمنها الاستراتيجي، وصولاً إلى دور سورية المستقبلي الفاعل والمحوري في صياغة وتنفيذ مشاريع التسوية الإقليمية نتيجة عناوين سياسية بارزة، ومقدرات استراتيجية من بينها، غياب البدائل العربية في الدرجة الأولى، وسقوط «الرهان الأميركي» على الحرب السورية، وما يمكن أن تُخَلِّفه من متغيّرات وجودية، تسمح للولايات المتحدة الأميركية وغيرها من الدول الكبرى بقلب وتغيير موازين القوى الإقليمية، والشروع في صياغة «شرق أوسط جديد» مفرَّغ من عناوينه الأساسية، وأيضاً من الحضور الفاعل، المركزي والمؤثر لـ «روسيا الاتحادية»، ما يؤكد على جملة عوامل أساسية من بينها، التخطي السياسي لكلّ من الإمارات والسعودية ومصر وتركيا «للحصار المفروض على سورية»، وأيضاً لـ»صفقة القرن» الأميركية و»قانون قيصر»…
هنا تجدر الإشارة إلى مفصلية المرحلة الحالية في تثبيت «انتصار سورية» والدور الاستراتيجي الذي يمكن أن تلعبه جدية الانفتاح العربي على سورية في تثبيت واقعية هذا الانتصار، والشروع في ترجمة مفاعيله السياسية والعسكرية وفق معايير المرحلة الحالية، وحاجة الحاضنة العربية بجميع مكوناتها السياسية، للدور السوري الفاعل والمؤثر في ملفات المنطقة، ومجمل عناوينها الأساسية، وهنا يجدر التساؤل عن حقيقة الموقف الأميركي من دول الانفتاح العربي الإقليمي وحتى الغربي على سورية، عن قدرات التحرر والتمايز في الموقف السياسي من جهة، والسلوك العسكري لكلّ من تركيا، المملكة العربية السعودية، مصر والإمارات، عن الموقف الأميركي في مرحلة «انكماش استراتيجي» وتراجع تعيشها الولايات المتحدة الأميركية على أكثر من جبهة إقليمية ودولية، نتيجة الانسحاب الكامل من أفغانستان، والسقوط الكامل في دوامة الاستنزاف الروسي مع حلف شمال الأطلسي وأوروبا مجتمعة في الجبهة الأوكرانية التي فشلت الولايات المتحدة الأميركية حتى اللحظة، في احتواء تداعياتها السياسية ونتائجها الكارثية على البيئة الأوروبية من جهة والمجتمع الغربي نتيجة حرب الطاقة وعجز القوى المعنية عن تأمين البدائل وتخطي «حصار الغاز» الذي فرضته روسيا مع بدايات الحرب على أوكرانيا.
قد يكون الكلام الصادر عن وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان في مؤتمر ميونخ للأمن، مؤشراً إيجابياً، وهو كذلك، عكس بشكل واضح حجم التحوّل السياسي في بنية الموقف العالمي الجديد تجاه سورية، حيث أكَّد بصريح العبارة (أنّ هناك إجماعاً في العالم على أنّ الوضع الراهن في سورية لا يجب أن يستمرّ).
أتى الموقف السعودي بالتزامن مع موقف مصري أدلى به رئيس مجلس النواب حنفي جبالي من مطار دمشق الدولي وتحدث فيه عن (دعم البرلمانات العربية للدولة السورية)، في سياق مقدمات عربية عربية مؤسسة لانتظام سياسي جديد على «البوصلة السورية» التي كانت وما زالت (أيّ سورية) نبض الخيار الممانع في الساحة العربية والحاضن الأول لحركات المقاومة من جهة والتسويات الإقليمية.
هنا يجدر التساؤل عن جدية التقارب «السعودي السوري» في هذه المرحلة، عن المساحات الإقليمية المشتركة، المساعدة والمساهمة في إنضاج ظروف التسوية، والاحتواء العربي لمجمل أزمات المنطقة «السياسية والعسكرية»، تحديداً الأزمة اللبنانية والتصادم «السعودي اليمني»، يجدر التساؤل عن قدرة السعودية على التوفيق، ما بين الانفتاح التدريجي على دمشق، والالتزام السياسي بـ «صفقة القرن» والحصار الاقتصادي الذي فرضه «قانون قيصر»، خاصة بعد الاتفاق السعودي ـ الإيلااني بوساطة الصين…
لذلك يُطرح السؤال عن سقف التباين السعودي الأميركي، والهامش الاستراتيجي الذي تحرّكت من خلاله الدول المعنية في إظهار واقعية الانفتاح العربي على سورية، ونخصّ بالذكر السعودية ومصر.
انطلاقاً مما تقدّم تعيش الجمهورية العربية السورية اليوم مندرجات العودة الفعلية إلى مكانها الطبيعي في جامعة الدول العربية من جهة، والبيت العربي، بالتزامن مع متغيّرات إقليمية / دولية، وأخرى عربية أنهت بشكل كامل وعلني أهداف الدول المشاركة سياسياً، عسكرياً، وحتى اقتصادياً في الأزمة السورية، وفي مقدمة الأهداف المذكورة مشاريع «التقسيم».
سورية العابرة للزلازل السياسية، العسكرية، والطبيعية، مدرسة إقليمية في الصمود، وجزء لا يتجزأ من منظومة «التكافؤ الاستراتيجي» في دول المواجهة والمحور، بعد سحب روسيا مظلات الحماية الأمنية، السياسية، وحتى العسكرية عن «إسرائيل».