غالب ورفيق والعفيف
ناصر قنديل
– هي اللغة الجميلة تتطوّع في المناسبات النبيلة، في مبادرة العفيف الحاج محمد عفيف لتكريم الشقيقين الغاليين رفيق نصرالله وغالب قنديل. تتطوّع اللغة لاختصار موضوع التكريم وهو أن صفة العفيف جامع مشترك بينهما قبل أي صفة أخرى، وهما رفيق الغالب وغالب الرفيق، وكل منهما قنديل نصرالله، رفيق الإعصار الذي لا ينكسر لا يحتاج الى صفة إضافية ليكون غالباً، وغالب الوفي النقي الشفاف الهفاف اللمّاح الصدّاح لا يحتاج دليلاً ولا سبيلاً ليكون رفيقاً لكل مقاوم وكل حر وكل شريف وكل ضعيف، وما اشتغل كل منهما إلا لإضاءة ظلمة، نور قنديل من قناديل المقاومة، التي يفتخران أنهما فيها من جيل عاش زمن سيّدها السيد حسن نصرالله، يحبّانه ويؤمنان به، ولم يكونا يوماً من عبدة الاشخاص والرموز، لكنهما اكتشفا به ومعه متعة وروعة أن يجد الذكي الفاهم والعالم، من يشبع بحثه عمن يروي ظمأ القول وصدق الفعل وجدية المسار ونقاء المسيرة، فيقول هذا قائدي بلا حرج ولا خجل، لا يخشى أن يسأل كيف لمثلك أن يرتضي أن يقوده مثله، بل هو هنا يقول هنيئاً لمثلي أن وجد بعد طول بحثه مثله يقول له يا قائدي بفخر واعتزاز، بعظيم العبقرية والإنجاز، جيل عشق جمال عبد الناصر على نضوج ووعد وموقف، فجاء نصر الله يكمل الوعد والموقف ويحوّلهما إلى حقيقة منجزة، ويتوّج النضوج بمشروع زوال الكيان وقد بات وعداً قابلاً للتحقيق، وتصير على يديه هو، “اسرائيل” هذه، في زماننا نحن، أوهن من بيت العنكبوت.
– في هذا اللقاء العابق بالدفء والصدق والحضور الشغوف بالوفاء والملتصق بالقضايا الكبرى، وقد صارت موضوع تندّر وتنمّر عند كثير من نخبة أمس، ومناضلي أول أمس، بعدما دغدغهم رغد عيش أو اشترى سكوتهم جهاز مخابرات أو جيش، جاءت الكلمات صادقة وانسلت مع الضوء الخافت الذي منح اللقاء شيئاً من رومانسية مشهدية، لسهرات البيدر الصادقة والعفوية في ليالي عين الضيعة، طفحت الدموع في عيني رغماً عني مرات، وقد نجحت بكتم الانهمار، استمعت الى الكلام الدقيق الرقيق لكن الجاد والمدروس والموزون والمدوزن على سلم موسيقي الفكر واللغة والقيم والمقاومة، حرفاً حرفاً وكلمة كلمة، للحاج محمد عفيف، منقباً عن محطات توجز ما يريد قوله عن الرفيق الغالب والغالب الرفيق، وما يرغب بتمريره عبر استعارة بعض من محطاتهما ووقفاتهما من مواصفات يؤمن، وتؤمن معه المقاومة، أنها صفات مطلوبة وواجبة الحضور في صناعة الإعلاميّ الذي يشكل نقطة تفوق المقاومة في حرب العقول. ومثلما كانت الروح في تجربة المقاومة العسكرية المكافئ الاستراتيجي للتفوّق على فوارق الإمكانات الهائلة بينها وبين العدو، تتقدم الأخلاق أولاً والمعرفة التي لا تدعي الاكتمال وتمضي بالتعلم ثانياً، وثالثاً المثابرة ثم المثابرة بلا كلل ولا ملل، بالكد والجد في النحت بإزميل الحقيقة على صخر العقل، حتى تترك بصماتها الثابتة؛ شروط جمعها الغالب والرفيق، وتتشكل منها عدة الفوز برهان حرب العقول في مسارات مواجهة باتت فيها هي الحرب الأهم والأخطر، نحتاج لكسبها الى سرية من عشرات الجنرالات لا الى كتائب وفرق من الآلاف ولا من المئات من الضباط والجنود، سرية جنرالات من غالب ورفيق، تكفي لتحقيق الفوز بهذه الحرب، غالب ورفيق يتناغمان ويكمل ما لدى واحدهما ما لدى الآخر، في سيمفونية تعزف لحن الحق والحقيقة. أطال الله بعمريهما، لكننا عفواً نجد أنفسنا نستذكر أنيس النقاش كمثال لهؤلاء الجنرالات، مثال يتكرّر بمواصفات كاملة في مسيرة لا تعرف التقاعد لرفيق وغالب.
– لن أتحدّث عن الذكريات التي جمعتني بالغالب رفيق، وكلها جميلة للتذكر والتفكر، لتاريخه ومواهبه وتشاركنا محطات لا تجلب الا الفخر والاعتزاز، ولن أتحدّث عن توأم الروح غالب الذي افخر أنني أخوه، وأعلم أكثر من كل أحد آخر من أي طينة صُنع هذا الرجل، ومن أيّ صوان تشكل لمواجهة التحديات، ومن أي صلصال عجن فصار مثالاً لطراوة الحنو والحب والعطف في لحظات المواقف الإنسانية الخاصة والعامة. هذا القارئ النهم والكاتب المتدفق والمتحدّث المتسلسل والخطيب المفوّه المتواضع العصامي الترابي الذي يتقن تطبيق خبزنا كفاف يومنا. ولا أظن أن أحداً ممن يعرفونه سيجد في ما قلت مبالغة، أو مسايرة لجمال اللغة، وأخلص للقول، وسيكون كافياً أن أقول، كان التكريم محطة أبعد من أشخاص المكرمين، إعلان اكتمال نموذج جنرالات حرب العقول في محور المقاومة، للقول لأجيال الإعلاميين الشباب، ها هي القدوة والمثال، ليست بخيال، تمعّنوا وتعلّموا، والقول للأعداء هذا ما عندنا فهاتوا ما عندكم، وعندما تقول المقاومة في الحرب العسكرية نحن نستطيع تقديم رضوان مثالاً، وفي حرب العقول أنيس مثالاً، لكن هذه المرّة نقدّم جنرالاتنا وهم على سلاحهم في ساحات المواجهة لا يتقاعدون، ولا نكرّمهم لمجرد الوفاء والتحية، بل أيضاً نفتتح بالتكريم مرحلة جديدة من المواجهة عنوانها بناء سريّة متقدّمة من جنرالات حرب العقول نموذجها الثنائي رفيق وغالب.