نافذة ضوء
شتان شتان ما بين ثورة الأحرار وثورة العبيد
} يوسف المسمار*
لثورة الإنسان اتجاهان
الثـورة الإنسانية فعـل ينبثـق من داخل الإنسان لتغيير حال لم يعُـد مقـتنعاً بصلاحها، ولا قادراً على تحملها ومعايشتها فيثور في اتجاهين لا ثالث لهما: اتجاه يشده الى حال رتيبة سجينة تقاليد وعادات متحجرة لا تتقبل أي شيء جديد يخرج عما ألفه من الرتابة والتحجر، فنكون في هذه الحال أمام ثورة رجعية مستحدثة معصرنة وثوّار رجعيين معصرنين حلمهم الوحيد أن يأكلوا ويشربوا ويناموا ويتثاءبوا في دهاليز الماضي، ولا تلذ لهم الحياة الا على أفكار رجعية متحجرة قامت على أساس خرافات القرون البائدة، ولا يستطيبون العيش إلا على تقبيل الأيدي القـذرة في الداخل والانبطاح تحت نعال الأعداء الغـزاة المتوحشين المستعبدين القادمين من الخارج، وتنفيذ كل ما يُؤمرون به بحقارة وذل العبيد.
وهؤلاء هم ذوو النفوس العاجزة الذين صدق فيهم قول العالم الاجتماعي انطون سعاده:
«النفوس العاجزة تنوء وترزح وتسقط. تسقط غير مأسوف عليها. تسقط وقد قضت على نفسها قبل أن يقضي عليها غيرها».
أما العبيد فهم صنفان: يجمعهم رفض الحق والعدل. الصنف الاول مات ضميـره، وانطفأت إنسانيته فتغطرس وظلم وأكره الناس على إطاعة نزواته وشهواته واتخذ اسلوب التضليل والفتن سبيلاً لتحقيق رغباته.
والصنف الثاني خاف الطغاة واستجبن ولم يواجه الظالمين ويضع لهم حداً، بل هم الذين حرّكوه وثوّروه وأجبروه على الثورة فثار لتلبية منافعهم الخاصة الآنية، وكان كالقطيع الذي يسير الى الذبح وفي قناعته أنه يسير الى النعيم.
وليس العبد من أُسر وكُبّـل بالأصفاد، وبيع في سوق النخاسة بل العبد من كفر بالحق والعدل وظَلَمَ واستعبد غيره وباع نفسه لأوهامه، والعبد الحقيقي أيضاً من استجبن وقضى عمره مهاناً ذليلاً يُثوّره الآخرون لنصرة باطل واستبداد ظلم.
أما الاتجاه الآخر للثورة الإنسانية السليمة فهو الذي يدفع الإنسان إلى الانتفاض من داخله على كل رتابة او تحجّر، والخـروج على المألوف من العادات والتقاليد والأوضاع الزرية، والانطلاق بقـوة جبارة تسحق كل ما ومَن يعترضها ويحاول عرقلة نهـوضها في سبيـل تحقيق حالة صالحة جديدة تقطع كل علاقة بما هو طالح، ولا تبقي من الماضي إلا على ما هو صالح، وتخلق وضعاً صالحاً جديداً يكون قاعدة انطلاق لما هو أصلح وأجود وأنفع، فتتمكن الأمة بهذا الانطلاق الثوري النهضوي من إصلاح نفسها بنفسها، والوقوف في وجه أعدائها وصد غزواتهم والاستقلال باتخاذ قرار تقرير مصيرها.
وفي تمكّنها من نهوضها، وصدّ أعدائها، وممارسة سيادتها على نفسها وعلى أرضها، قد عبّرت فعلاً عن ذاتها الجميلة، وإرادتها الحرة في تحقيق حياة كريمة لكل أبنائها، فيكون لثورتها الإنسانية طعم الرقي والتقدم والرفاه والعز. وتكون للأجيال الآتية علامة بارزة تشير الى طريق النهوض والجودة التي تصل الأرض بالسماء، والسماء بما فوق السماء.
ثورة الأحرار ثورة صالحة للحياة ولإعلاء شأن الحياة. وكل ثورة كما عبّر عنها باعث النهضة السورية القومية الاجتماعية أنطون سعاده:
“كل ثورة لا تكون الحكمةُ رائدها، والنظامُ طريقها، والتجهيزُ سندها، وحاجاتُ الأمة باعثها، يكون الفشل نصيبها».
*شاعر وباحث قومي مقيم في البرازيل.