أخيرة

دبوس

الدولة الأسطورة

منذ 12 عاماً، ومع بدء الأحداث في سورية، أتيح لي من موقع المحب لاستجلاء الحقيقة، والعاشق للمقاومة، ان أقوم بتلقائية، وبدون سابق تخطيط باستنباط استشرافات من أعرفهم من الناس هنا في أميركا إزاء ما ينتظر سورية، مباشرةً بعد بدء الأحداث في درعا، كان هنالك اجماع كامل على انّ سورية ستتهاوى لا محالة، وكنتُ، وبدون معلومات كافية، يعتريني شعور راسخ بأنّ سورية لن تهزم، لقد كان قلبي صياداً وحيداً.
كنت أقول في سريرتي، وفي حوار صامت داخل نطاق الذات، إذا كان قطع الرؤوس، واغتصاب النساء، والتوحش نحو المستضعفين، والليونة والمحبة إزاء التوحّش، وإزاء قوى الهيمنة الفاشية، وقبل هذا وذاك، اذا كان الإصرار ومنذ الدقيقة الأولى لاشتعال هذه الثورة الأضحوكة على تحطيم منظومة الدفاع الجوي، إذا كان ذلك ثورة فأنا أوّل الناكصين، واذا كان هذا ديناً فأنا أول الكافرين.
لقد كنتُ أعرف عقائدية الجيش السوري، ولكنني لم أكن أعرف مدى هذه العقائدية، كنت أعرف عروبية سورية، والنزعة الفطرية الطبيعية نحو المقاومة في جينات الشعب السوري، ولكنني لم أكن أعرف عمق هذه العروبية، ومدى ترسّخ وتجذّر أرومة المقاومة الى هذه الأعماق في النفوس، كنت أعرف صلابة وذكاء وصبر ونفاذ البصيرة لدى هذه القيادة الشابة، ولكنني لم أكن على إطلاع بأنّ الأمر أبعد من مجرد صلابة وذكاء وبصيرة نافذة، انها عبقرية يفري فريها، ولو أدرك كلّ أولئك الذين انخرطوا قبل 12 عاماً في الحراك الكوني للإطاحة بالمباشر وباللامباشر بهذه الدولة الأسطورية، لو أدركوا انهم سيصيبهم من الخواتيم الكارثية ما أصابهم لاحقاً، لما طرأ على بالهم مجرد التفكير في هذه المنازلة…
في سورية لا يُصنع مصير الأمة فحسب، في سورية يمرّ العالم برمته، بقواه الشريرة، وبقيادة كلّ الصّلف العالمي، وبإمكانيات لامتناهية، فيلوى ذراعه، ويلوى عنقه، ويضطر الى تصويب وجهته غصباً عنه، ثم يخرّ صعقاً، ويجبر على قبول ما كان عنه راغباً، سورية قالت بالفم الملآن، فطأطأ الناس جميعاً رؤوسهم وأصغوا، لا عرب بدون سورية، ثم انها انتزعت المشعل، مشعل الحضارة، من الأيدي المارقة الطارئة القابعة غرباً، وسلّمته بقوة الى آسيا، الى أرض الأنبياء والحكماء والصالحين والفلاسفة، أرض بقية الله والخير، أرض الأخلاق والفضيلة والقيم.
سميح التايه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى