نافذة ضوء
شتان بين حداثة النهضة وحداثة الانحطاط
} يوسف المسمار*
ثورة الحداثة نوعان ولكل نوع منطلقاته وأساليبه ووسائله وأهدافه المنبثقة من نظرته الى الحياة والكون والفن، ومن فلسفته المنبثقة عن تلك النظرة، ومن كل ما يصدر عنها من فكر وأدب، وعلوم وفنون، ومبادئ ومفاهيم، وسلوكيات وتصرفات، ووسائل وطرائق.
وكما تنتج ثورة النهوض التقدمية حداثة وعصرنة فكذلك تنتج ثورة الانحطاط الرجعية حداثة وعصرنة أيضاً. لكن شتان بين حداثة وعصرنة ثورة النهوض والتقدم الإنسانيين وبين حداثة وعصرنة ثورة الانحطاط والرجعة البشريين.
فثورة الانحطاط هي ثورة تجديد وتحديث وعصرنة، وثورة النهوض هي أيضاً ثورة تجديد وتحديث وعصرنة. لكن هَمّ ُ ثورة الانحطاط والرجعة تجديد أفكار الخرافات، وتحديث العادات البالية، والمفاسد والمساوئ، وعصرنة المثالب والموبقات والارتخاء بمخدرات التقاليد العفنة المؤذية التي تُحبط الهمم وتفرض على الإنسان المسكنة والخنوع ومعيشة الذل.
وهَمّ ُ ثورة النهوض والتقدم نبش زوايا التاريخ المظلمة واكتشاف حكمة الأفكار الجيّدة وتجديدها وتحديث القيم النبيلة الفاضلة وعصرنة المفاهيم الراقية والاستفادة من كل شيء جميل، وإبداع وابتكار كل ما يساعد الإنسان على الصلاح والتطور والرقيِّ وإصلاح حاله.
وبقدر ما تكون حداثة ثورة النهوض غنى وخصوبة وعمل وإنتاج ورقيّ، فإن حداثة ثورة الانحطاط تكون فقراً وجفافاً وكسلاً وتسكعاً وخمولاً. وما كان للغنى أن يتساوى مع الفقر، ولا للخصوبة أن تتعادل مع الجفاف. ولا للعمل والإنتاج مقارنة مع الكسل والتسكّع، ولا للخمول والذل أن يحلا مكان الرقيّ والعز.
ولذلك لم يجد الأعداء الغزاة للسيطرة على أمة من الأمم وسيلة أفضل من ثورة التخلف والانحطاط الرجعية لتحريكها وتثويرها ودعمها ومدّها بكل مقوّمات الانتشار والاتساع والامتداد التي قوامها التجهيل والدعاية والوشاية والخداع والتعمية بين أبناء المجتمع الواحد ليتمكن أعداء الأمة من سلب جيل المجتمع أغلى ما يملك، ألا وهو ذاته العامة، ووجدانه القومي، وروحه الوطنية، وشخصيته الإنسانية، فينهار ويتفتت ويتحوّل بين أيدي الأعداء الى عجينة طيِّعة يصنعون بها ما يريدون ويشتهون.
*باحث وشاعر قومي مقيم في البرازيل.