أولى

اتفاق عودة العلاقات الإيرانية ـ السعودية: الإشكاليات والتحديات…

‭}‬ د. جمال زهران*
لا شك في أنّ مثل هذا الاتفاق الإيراني/ السعودي، على عودة العلاقات في ما بينهما، بعد غياب (7) سنوات على وجه التحديد، وبرود في العلاقات تجاوز العشر سنوات، له أصداء واسعة حتى الآن، رغم مرور نحو أسبوعين على توقيعه وإعلانه، وهو الذي أعلن عنه مساء يوم الجمعة (10) مارس/ آذار 2023.
لم يكن هذا الاتفاق مفاجئاً، إلا لغير المتابعين أو النائمين، بل هذا الاتفاق هو تتويج لجهودات بُذلت على مدار ثلاث سنوات كاملة، شهدت (6) جولات بين العراق (بغداد)، وسلطنة عُمان (مسقط)، وسط تصريحات إيجابية متبادلة بين الطرفين وعلى لسان وزيري الخارجية، بأنّ المحادثات والمفاوضات جارية على قدم وساق، وبصورة طيبة، وأنّ الطرفين حريصان كلّ الحرص على إنجاح الاتفاق والتقارب والتوصل إلى نتائج إيجابية.
وينقسم المحللون، حول ما إذا كانت أميركا والكيان الصهيوني يتابعان هذه المحادثات، أم أنهما أهملاها على خلفية أنها لن تصل إلى شيء، وأنها ستفشل في النهاية، بسبب أنّ القرار النهائي في أيديهما، مهما حدث من توافقات، أو أنهما قادرتان على إفشال ما سيصلون إليه من نتائج قد تبدو أنها إيجابية.
ولا شك في أنّ الأمر جدّي وخطير، لأنّ ما حدث هو «انقلاب» سياسي في العلاقات الإقليمية والدولية، قد يرتب تداعيات قدر ما يثير من إشكاليات، بشرط أنّ الاتفاق يجسّد إرادات إقليمية فاعلة، بغطاء دولي يتمثل في الصين والمدعومة من روسيا.
فطبقاً لما ورد على صفحة ولي العهد (محمد بن سلمان)، والحاكم الفعلي للدولة السعودية (تويتر)، تلاحظ أن تحدث عن الاتفاق وارتباطه بمدة شهرين لإعادة العلاقات الدبلوماسية وتبادل السفراء بين الدولتين، يتمّ خلالها حلّ جميع المشاكل في الإقليم، بوقف التدخل الخارجي في الشأن الداخلي، وإلغاء وجود «الميليشيات» في عدة دول في المنطقة (إشارة إلى اليمن والعراق وسورية ولبنان)، ووقف دعم هذه الميليشيات، والسعي نحو خلق الاستقرار في المنطقة!
ولا شك في أنّ هذا الكلام المختصر المفيد، هو أمنية السعودية، فهل هذه هي أمنيات إيران؟ وهل سيخلق الاستقرار الحقيقي في الإقليم؟!
في تقديري، أنه من الثابت أنّ هذا الاتفاق لم يكن مفاجئاً، بل هو ترجمة لجهودات استمرّت ثلاث سنوات، وأيضاً من الثابت أنها تحقق فوائد لإيران أكثر من فوائد للسعودية، ومن الثابت أيضاً أنّ الصين تحقق مصالح ومكانة وفوائد، غير مسبوقة برعايتها لهذا الاتفاق. ومن الثابت أيضاً أنّ الاستقرار الحقيقي لن يتحقق، بل إنّ الممكن تحقيقه هو الهدوء الظاهري، ولن يخرج عن هدنة مؤقتة، إما تكون مقدّمة لاستقرار حقيقي، أو خطوة للتراجع إلى المربع الأول، وعدم الانتقال منه بسهولة.
وعلى العكس من ذلك، هناك من يرى أنّ الاتفاق هو المقدمة والبداية للاستقرار الكبير، وبداية لحلّ المشكلات الإقليمية في كل المنطقة، من اليمن جنوباً، إلى العراق وسورية ولبنان، التي تشهد تواجداً إيرانياً كبيراً، سواء بالتواجد الفعلي أو بالنفوذ الكبير. لكن مثل هذا التصوّر ينبني على انعدام كامل للنفوذ والتراجع الشامل للدور الأميركي، ومن خلفه الدور الصهيوني وأدواته في التأثير، وهو من وحي الخيال، وبعيد عن الواقع. فعلى الرغم من أنّ الدور والنفوذ الأميركيين في تراجع وانحسار، إلا أنّ ذلك لا يعطي الحلفاء في الإقليم، أن تتوفر لهم الجرأة والإرادة الذاتية المستقلة، على أن يتحدّوا الإرادة الأميركية والصهيونية بهذه الصورة. فهذا من باب التفكير بالتمني، يستوجب التحفظ. فلو كانت الأمور طبيعية، وعقد مثل هذا الاتفاق، لانجذبنا إلى خيار التداعيات الضخمة والتفكير اللامتناهي، بلا قيود. إلا أنّ الواقع لا يسهم في دعم هذه الخيارات الخيالية.
فالاتفاق كما أُعلن، سيكون في مربع الإنجاز الشكلي، أكثر من الإنجاز الفعلي والحقيقي، ولن يتمخض ـ لو حدث ـ إلا عن عودة العلاقات الدبلوماسية، كمقدمة لهدوء واستقرار في العلاقات بين البلدين، وتمّ تدشين الاتفاق بهذه الضخامة، ليكون ذلك غطاءً لعودة العلاقات الدبلوماسية فقط. في الوقت نفسه قد تتعطل أو تتأجّل عملية عودة العلاقات الدبلوماسية بسبب تدخلات خارجية استعمارية غربية!!
وفي تقديري، فإنّ نجاح هذا الاتفاق، وحلّ ألغازه، والدفع به في الواقع العملي، سيتوقف على مدى ردّ الفعل الحقيقي لأميركا والصهيونية.
فكلما كان التدخل وردّ الفعل كبيراً وشاملاً، أدّى ذلك إلى تراجع الاتفاق وانحساره في الشكل، لا أكثر. وكلما كان التدخل وردّ الفعل محدوداً، من جانب أميركا، أو منعدماً، بما يعكس قبول الأمر الواقع، فإنّ حجم التداعيات سيزداد، والتأثيرات ستكون كبيرة وإيجابية، وسيكون المشهد مغايراً تماماً لما هو قائم، وهو ما يُسعدنا بالتأكيد. لكنه التفكير العلمي والمستقبلي، الذي يقيدنا في التصوّر اللامحدود وقد يكون مخطئاً.

*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمّع العالمي لدعم خيار المقاومة.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى