التطور الأبرز في سياق التقارب الإيراني ـ الخليجي
} رنا العفيف
بعيداً عن تدخلات الغرب والولايات المتحدة الأميركية وحليفتها «إسرائيل»، نرى مصالحات وتفاهمات وتقارباً إيرانياً خليجياً وبعض الدول العربية، إضافة إلى رسائل عدة حول هذه التفاهمات المتسارعة موجهة إلى الرأي العام العالمي، هل سنشهد مفاجأت أكثر على مستوى هذه المصالحات، وما هي أهمية هذه المصالحات، وهل سينعكس إيجاباً على استراتيجية المنطقة برمتها؟
في إطار التقارب ما بين دول المنطقة وصل الرئيس السوري بشار الأسد في زيارة هي الثانية إلى الإمارات، ورأى الأسد أنّ دور الإمارات يتقاطع مع رؤية سورية في ضرورة تمتين العلاقات الثنائية بين الدول العربية، أما الرئيس الإماراتي محمد بن زايد فشدّد على أهمية عودة سورية إلى محيطها العربي وبناء الجسور وتمتين العلاقات بين كلّ الدول العربية…
أيضاً في هذا السياق قال المستشار الرئاسي الإماراتي أنور قرقاش إنّ نهج بلاده نحو سورية هو جزء من رؤية أعمق وأوسع لتعزيز الاستقرار العربي والإقليمي، مشيراً إلى أنّ الأحداث المرتبطة بعقد الفوضى وتبعاتها أثبتت أنّ العالم العربي أوْلى بالتصدي لقضاياه وأزماته بعيداً عن التدخلات الإقليمية والدولية، أيّ بعيداً عن الهيمنة الغربية وأدواتها، ماذا يعني هذا في الصلف السياسي الاستراتيجي أو كيف يُترجم على مستوى المنطقة؟
ربما يقول البعض إنّ هذه ليست صدفة أو قد يكون لهم زاوية تحليلية خاصة يصفون تلك الأحداث على أنها مفاجآت ولا نختلف هنا على التسميات، بكلّ تأكيد نرى بوضوح مشهداً كاملاً لنقل من خلال كلّ هذه المصالحات وهذه العلاقات التي تقترب من بعضها البعض تقريباً في ذات التوقيت، وهذا يعني أنّ كلّ الخلافات التي حصلت بين الدول العربية هي خلافات سطحية ليست متأزمة بالمعنى، لولا تدخل الولايات المتحدة الأميركية وحليفها الاستراتيجي «إسرائيل» بها، لكانت أمور العرب جميعاً في السليم، ولكن انطلاقاً من المثل القائل ان تصل متأخراً أفضل من أن لا تصل أبداً، وهذا ربما ما حصل، وباعتبار هناك خطوات متسارعة في التقارب الإيراني الخليجي أيضاً يمكن القول بالتأكيد على ما ذكرنا أن لا صراعات ولا نزاعات بين تلك الدول وكلّ ما حصل هو أنّ هذه الدول تعلمت درساً سياسياً استفادت منه، ووضعت كلّ هذه المناوشات جانباً لتتمكّن من تفعيل الإجراءات المتفق عليها كدليل على نواياها الجادة سواء كانت مع سورية أو مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لا سيما أنّ هناك تطورات بارزة وهامة في علاقات إيران مع المملكة العربية السعودية، إذ تلقى الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي دعوة من الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز لزيارة السعودية، وسيتمّ إنضاج هذه الزيارة خلال اللقاء المنتظر بين وزيري خارجية البلدين…
كلّ هذا ليس صدفة بقدر ما هو أعمق وأبعد من الصورة الظاهرة، وعندما نقول الاتفاق السعودي ـ الإيراني يعني ذلك دول الخليج أيضاً لأنّ القرار السعودي ينعكس بشكل أو بآخر على كلّ الدول الخليجية التي تظهر نواياها الجادة من خلال تفعيل الإجراءات لإعادة فتح السفارات، وبالتالي يكون هذا الإنجاز في سبيل تحقيق شامل ربما لكلّ الملفات التي كانت تعيق التقدّم الاقتصادي والسياسي في المنطقة برمّتها، وأنّ المصالح المتبادلة أقوى من الخلافات على حدّ سواء إنْ صحّ التعبير، حتى مع الدول التي كانت تؤيد قطع هذه العلاقات ستعود عليها بالإيجابية لأنّ ما بين إيران والسعودية وحتى الإمارات هي اتفاقيات عمل في المحصلة، لذا تبقى خطوات التسارع للقاء الجانبين وعلى مستوى وزراء الخارجية بهذا الشكل مبدئياً غير مرئي لنقل حتى تكتمل تفاصيل رؤيتها في الأيام المقبلة، وقد يكون هناك أكثر من مفاجأة، خاصة أنّ اللاعب السعودي فهم جيداً أن لا أمان للولايات المتحدة الأميركية المشغولة اليوم في أوروبا والمتورّطة في أوكرانيا، وقد توضّحت الرؤية الخليجية بالكامل في ما يتعلق بالإملاءات السياسية التي كانت تريدها واشنطن، إلى أنّ دخل اللاعب الصيني وطرح توافقات وتوقعات وخيارات أكثر انسجاما في بنود الاتفاقيات على مستوى المراقبة لبلورة هذه العلاقات ونتائجها الإيجابية من خلال المفاهيم الاقتصادية الكبيرة في المنطقة، مقابل العامل الموازي المتمثل بالعمل العربي المشترك والمقصود هنا دول الخليج التي تمتلك صندوقاً مالياً كبيراً تريد استثماره على مستوى تحقيق شامل يعود بالفائدة حتى على الأجيال اللاحقة، وبالتالي كلّ هذه المصالحات تصبّ في خانة التضامن العربي لعودة مسار الدول العربية الكاملة المتكاملة إلى طبيعتها كما كانت في السابق التي تواصل لليوم جهودها من خلال الانزياح العربي الكبير على مستوى ذي قيمة ناضجة أيضاً تتطلب الحذر وربما ستأخذ وقت ولكن نتائجه ستكون مرجوة بالإنجازات.
يبقى الانطباع الكامل للمشهد وأهميته مبنياً على احترام سيادة كلّ دولة للأخرى بتطبيق هذه الاتفاقيات بشكل صارم للحفاظ على الحدود بين الدول المتجاورة واتخاذ إجراءات عملية توثق مصلحة كلّ دولة بعناصر الاستقرار السياسي والأمني والنفسي من الأحداث التي ما زالت شوائب الأعاصير تعصف بها المشارب والميول، وطبعاً هذا ما تحاول السياسة العربية صنعه ولو بمعجزة تحت راية العالم السياسي الجديد…