لبنان لن يعطل إرادة الكبار في المنطقة
} عمر عبد القادر غندور*
لأنّ فرنسا يعنيها لبنان ويحتلّ حيّزاً من وجدانها العاطفي، ومصالحها طبعاً، وبالرغم من مشاكلها الداخلية هذه الأيام تستعدّ لاستقبال مساعدة وزير الخارجية الأميركي باربرا ليف وممثلين عن مصر والأردن وتونس ولبنان في الوقت الذي لا يزال الغموض يلفّ نتائج اللقاء الفرنسي السعودي الذي انعقد منذ أيام وشارك فيه عن الجانب السعودي المستشار نزار العلولا والسفير السعودي في لبنان وليد البخاري، وعن الجانب الفرنسي مستشار الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأدنى باتريك دوريل، ولم تتسرّب معلومات كافية عما دار في هذا الاجتماع.
ويقول فريق من اللبنانيين انّ الفرنسيين هم جزء من المشكلة السياسية الاقتصادية المالية وجزء من المنظومة السياسية والمصرفية والأمنية والقضائية والاقتصادية والثقافية… وهي في قلب المجتمع المدني اللبناني بجمعياته وناشطيه ومثقفيه وأكادمييه واختصاصييه. وعندما حصل تفجير المرفأ وما رافقه من اختلال هائل للثقة اللبنانية بالنفس، حضر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مرتين ليكون الى جانب اللبنانيين في زمن اليأس وانعدام الثقة بين القادة اللبنانيين.
ولأنّ لبنان اليوم ليس لبنان الأمس، لا بل انّ وضعه أكثر سوءاً من أيّ وقت مضى، تبدو فرنسا اليوم أكثر اهتماماً بلبنان، لكن عليها ان تواجه رياح التغيير العاصفة في شرق أوسط جديد يتناغم مع التحوّلات التي تنادي بعالم يناهض القطب الواحد ويسعى الى عالم متعدّد الأقطاب…
وكما أظهر استئناف العلاقات الديبلوماسية الإيرانية السعودية برعاية صينية تموضعت في بكين وستأتي الموجات التغييرية تباعاً، ولا نعتقد انّ الساحة ستكون معبّدة أمام الفرنسيين في سعيهم لاستعادة نفوذهم في لبنان الذي ما زال قسم منه يتعاطف مع الدور الفرنسي «الحنون» بدليل المراوحة في انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
وتقول التسريبات انّ الفرنسيين يحاولون الاستثمار في الاتفاق السعودي الإيراني، ولكن موقف الرياض ما زال على حاله من مسألة اختيار رئيس بمواصفات محدّدة ربما لا يلتقي مع الرغبة الفرنسية لإجراء مقايضة بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء.
وجديد هذا «الطلق» انّ الفرنسيين لا يمكن لهم ان يتحركوا بمعزل عن المزاج الأميركي، بدليل انّ الاجتماعات التي احتضنتها باريس في شهر شباط الماضي بحضور ممثلين عن الولايات المتحدة والسعودية ومصر وقطر وفرنسا لمناقشة الأزمة اللبنانية انتهت الى نتائج متواضعة جداً كحث اللبنانيين على التلاقي والتفاهم في ما بينهم تحت طائلة التهديد بالعقوبات، ليس من الولايات المتحدة وحسب بل من الجانب الاوروبي والفرنسي خاصة. ولا تبدو نهاية سعيدة في الأفق في ضوء التمسك بالمواصفات التي باتت بحاجة الى اتصالات اكثر.
هنا نعتقد انّ الرئيس نبيه بري بات على علم بهذه التوجهات وهو على بيّنة ودراية، في حين انّ معلومات متداولة للاستحقاق الرئاسي تناهت الى الكتل النيابية حول اقتراب التسوية والى انتخاب الرئيس العتيد الذي لم يُحسم اسمه !
وبالعودة الى اتفاق استئناف العلاقات السعودية ـ الإيرانية وانعكاسها الإيجابي على لبنان وغيره سيساهم في تعزيز ركائز الأمن والاستقرار في المنطقة وتوطيد التعاون الإيجابي البنّاء الذي سيعود حتماً على كافة البلدان العربية عامة وعلى لبنان خاصة الذي يبقى حاجة عربية للسياحة والاصطياف والاستشفاء، على أمل ان يُشفى لبنان من طبقته السياسية المتسلطة، ولا نظنّ انّ هذه الطبقة ستعطل إرادة الكبار في المنطقة.
«ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٥٣) الانفال»
*رئيس اللقاء الإسلامي الوحدوي