التحالف الاستراتيجي الصيني ـ الروسي: تأكيدٌ للنظام الدولي التعددي
} د. جمال زهران*
قام الرئيس الصيني شي جين بينغ، بزيارة روسيا والالتقاء بالرئيس بوتين، في محادثات استمرت ثلاثة أيام (20 – 22 مارس)، في ظلّ تحوّلات عالمية وإقليمية، من المؤكد ابتداء أنّ هذا اللقاء سيضع بصمة في خريطة هذه التحوّلات، وقد يعطي صك الاعتراف بأنّ أميركا لم تعد قادرة على الانفراد بالنظام العالمي، وإدارته والتحكم فيه حسب هواها وإرادتها المنفردة.
وبعيداً عن تفاصيل الزيارة وأحداثها بالدقيقة والثانية بين عملاقين.. أصبحا يمتلكان زمام الأمور، بصورة طاغية، فإن ما تمخض عن هذه من اتفاقات كبرى واستراتيجية بلغت (14) وثيقة، في إطار الإعلان عن تحالف استراتيجي بين العملاقين لسنوات مقبلة وبلا حدود، هو بلا شك أمر جلل وخطير.
حيث يستلزم ما توصل إليه الطرفان، واتفقا عليه، أن يتمّ إمعان النظر بطريقة فاحصة ومحللة لكلّ ما تضمّنه هذا الاتفاق الاستراتيجي. فنحن نتحدث عن عملاقين هما: «الصين وروسيا»، ولا شك في أهمية كلّ منهما في النظام العالمي، وأن لهذه الأهمية تداعياتها بلا شك على الحاضر والمستقبل.
وفي ختام الزيارة صرح الرئيس الروسي بوتين في المؤتمر الصحافي الذي عقده مع نظيره بعد جلسة مباحثات استمرت (4.5) ساعات، بالنتائج السبع التالية:
1 ـ انّ روسيا قادرة على تلبية جميع احتياجات الصين من الطاقة.
2 ـ زيادة تشجيع ممارسة التسويات المتبادلة مع الصين بالعملات الوطنية للبلدين.
3 ـ الاتفاق على جميع معايير مشروع «قوة سيبيريا/ 2».
4 ـ تعتزم موسكو وبكين، إنشاء هيئة ـ عمل في مشروع «طريقة بحر الشمال».
5 ـ استعداد روسيا لدعم الأعمال التجارية الصينية في استبدال الشركات التي غادرت البلاد.
6 ـ تدعم روسيا استخدام عملة «اليوان» الصينية، في التجارة بين آسيا وأميركا اللاتينية.
7 ـ يمكن لروسيا والصين أن تصبحا رائدتين في مجال الذكاء الاصطناعي من خلال الجمع بين إمكاناتهما.
وكان ردّ الفعل الأول الذي أحدثته هذه النتائج السبع، إحداث صدمة كبرى في الغرب الاستعماري الأطلسي، وأصابت البيت الأبيض بحالة من الهستيريا جعلته لا يتوقف عن التصريحات!
ولعلّ المتأمّل في هذه النتائج المعلنة رسمياً، بخلاف الاتفاقيات التي تمّ توقيعها، يكشف عن حجم التفاعلات والتنسيق والتحالف بين عملاقين كبيرين هما الصين وروسيا، فهي ضخمة بلا شك.
وبالنظر للتحوّلات التي تحدث وبسرعة منذ تفجر الثورات العربية عام 2011، التي استهدفت أميركا الاستعمارية من ورائها، السيطرة على مقاليد الأمور، واعتبار الإقليم العربي والشرق أوسطي، تحت السيطرة، يلاحظ أنّ الغرب الاستعماري يداعب تركيا ويحاصر إيران، ويفجر المنطقة العربية، ومن ثم استهدف منع روسيا من الخروج من حدودها، وكذلك محاصرة الصين وتخويفها من خلال التواجد في قلب آسيا وكوريا الجنوبية وتايوان، وبالتالي يكون قد تأكدت السيطرة الاستعمارية الغربية على العالم للأبد! وقد تحدث البعض وكتب آخرون، أنّ القرن الحادي والعشرين، هو القرن الأميركي بلا منافس! ومكثوا يروّجون لهذه الخدعة والأكذوبة الكبرى، لكي يسهم ذلك في انهيار الإرادات في إطار نظرية «المؤامرة»، التي اخترعها الغرب الاستعماري، فكراً وممارسة.
إلا أنّ الأمور لم تسِر على هذا النحو، وفشلت المؤامرة في سورية، وخرج الروس من حدودهم، واتجهوا نحو سورية لحمايتها من المؤامرة الأميركية عبر حلفائها وتوابعها في الإقليم. وحاول الغرب اختبار روسيا وعودتها للساحة الدولية، في أوكرانيا 2014، فكانت النتيجة، قيام روسيا بضمّ جزيرة «القرم» نهائياً. ثم محاولة التحرش الأميركي/ الأوروبي، بروسيا بتهديد الأمن القومي الروسي، عبر أزمة محاولة انضمام أوكرانيا لحلف الناتو، فكان ردّ الفعل الروسي حاسماً بالغزو العسكري لأوكرانيا! ووسط كلّ التهديدات الغربية ومحاولات الحشد العالمية ضدّ روسيا، عبر آلاف قرارات العقوبات الفاشلة، إلا أنّ الفشل لاحق أميركا وحلفاءها الأوروبيين. ثم حاولوا التوجه إلى الصين ومحاولات التحرّش بها من خلال تايوان، فكان الردّ الصيني حاسماً، ثم تأكد التنسيق في تحالف استراتيجي بين الصين وروسيا، وتلك هي النتيجة، فشل أميركي وأوروبي، وانتصار روسي/ صيني، وإعادة الاستقطاب، في مشهد عالمي جديد، يتقدم فيه العملاق الروسي/ الصيني، ويتراجع فيه الاستعمار الأميركي/ الأوروبي، البغيض، لعلّ حقبة جديدة ـ مثل سابقتها ـ قد تنقضي بفعل المقاومة، حتى تحرير فلسطين كاملة، وإنهاء الاحتلال الصهيوني للأبد، ونرى ذلك قريباً حتى لو رآه المتآمرون بعيداً، في ظلّ نظام دولي تعدّدي، تأكد بلقاء العملاقين (روسيا ـ الصين).
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمع العالمي لدعم خيار المقاومة.