من يؤخر توقيت إصلاح النظام اللبناني بدولته العميقة؟
خضر رسلان
مستوى النكد لدى البعض ووهم الأحجام والمكنونات الاستعلائية التي تتحرك غرائزياً وتلقائياً من قبل جزء ممن يتصدّون للشأن العام في لبنان يجعلهم عاجزين دوماً على إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، والتخفيف أو الحدّ من آثار الأزمات التي تعصف في البلاد والتي يمكن لها ان تؤدّي الى الانهيار الكبير على كلّ الجبهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فيما هي غارقة في الخلافات والمناكفات حول جنس الملائكة التي ومهما كان لونها وحجمها فلن يكون الخوض فيها أكثر من جدل بيزنطي يزيد الطين بلة ويعزز من الشرخ القائم على المستوى الوطني الذي يحتاج في هذه المرحلة إلى الروية والهدوء بعيداً عن أيّ استفزاز للاستفادة قدر الإمكان من المناخات الإيجابية التي تدور رحاها في الإقليم عقب توقيع ورقة التفاهم الإيراني السعودي الذي من المؤمل ان تنعكس أجواؤه الإيجابية على الساحة اللبنانية.
وربَّ من يسأل كيف يمكن الاستمرار في الحديث عن لبنان على أنه بلد للتنوع الثقافي وانّ تعدد طوائفه عامل غنى، فيما نحن نشهد بين فينة وأخرى هذا المستوى من الخلافات التي تعصف بين مكوناته المستعدة في الكثير من الأحيان للتعاطي تارة بلا مبالاة وأخرى بالتجاهل في أمور وطنية واجتماعية واقتصادية حساسة كما في حالة خرق السيادة الوطنية سواء منها عبر السفراء الأجانب الذين يجاهرون في فرض إملاءاتهم، أو الاعتداءات «الإسرائيلية» التي تخرق الأجواء اللبنانية بشكل مستمرّ ومن أجوائه يتم الاعتداء على دولة شقيقة وهي سورية، وإلى ذلك التعاطي بخفة لافتة مع التراجع المستمر لليرة اللبنانية والانهيارات الاقتصادية التي تنعكس بشكل كبير على الحالة الاجتماعية لعموم الشعب اللبناني، بينما في المقلب الاخر يبرز مشهد التجييش حول عناوين ثانوية ربما لا تمسّ جوهر حياة الناس ويؤدّي طرحها إلى رفع منسوب التوتر الذي قد يتجاوز الساحة السياسية إلى الشارع، ومع ذلك يتمّ الإصرار عليها لأهداف شعبوية وطائفية.
السؤال الذي يطرح نفسه عن الذريعة التي حوّلت مشكلة اعتماد التوقيت الصيفي من مشكلة إدارية سياسية الى قضية طائفية، وهل الأمر مجرد صراع شعبوي يُراد من خلاله إعادة خلط الأوراق لدى القوى النافذة وهل يمكن التعاطي مع ما حصل وما نتج عنه كحال باقي المحطات والأحداث التي مرت وعبرت؟
انه لمن السذاجة مقاربة ما حصل على أنه ضمن سلسلة من الأزمات التي اعتاد عليها اللبنانيون بينما الحقيقة والواقع أنّ مشكلة الساعة كشفت عن ضرورة إعادة قراءة ما جرى من خلال إعادة بحث عناوين الشراكة والعيش المشترك التي يبدو أنها عرضة للاهتزاز عند أول اختبار ولو كان ثانوياً كحال الساعة والتوقيت الصيفي.
إنه لمن التفاهة والاستخفاف اقتصار أسباب ما حصل على مقاربة او قرار او عن طريقة إدارة البلاد. بل انّ أساس المشكلة هي بقاء الموروث الطائفي متحفزاً للانقضاض من جديد وعند كلّ فرصة، والحلّ الوحيد لذلك إعادة قراءة النظام اللبناني من جديد على أساس المواطن والمواطنة. ويتجلى ذلك في تفكيك مؤسسات الدولة العميقة التي هي أهمّ أدوات أصحاب الخطاب الطائفي الشعبوي، ويحتم ذلك الاتجاه الى ابتداع أنظمة جديدة وفق معايير ورؤى جديدة، وكذلك حال الكيان اللبناني، فـ بانتهاء دوره الوظيفي لا بدّ من إلغاء كل مفاعيل الأدوار التي أنيطت للدولة العميقة بجميع مندرجاتها السياسية والاقتصادية والأمنية والاتجاه حكماً نحو آليات ومفاهيم جديدة، ويكون ذلك عبر حوار داخلي معمّق ينتج اتفاقاً جديداً يجنّب البلد الهزات المتنقلة من جيل الى آخر، ويقوم على أساس احترام القواعد الإنسانية التي اختصرها صوت العدالة الإنسانية الإمام علي بن أبي طالب، كما سمّاه الأديب جورج جرداق، حين قال: «الإنسان أخٌ لك في الدين أو نظيرٌ لك في الخلق».