أول قتيل أميركي في سورية: هل سقطت مقولة الزمان والمكان المناسبين؟!
} د. علي أكرم زعيتر
هناك ما يربو على الأربع وعشرين قاعدة عسكرية أميركية منتشرة في شرق سورية. جميعها تكتسب صفة غير شرعية، لكونها لا تحظى بموافقة الدولة السورية. من أهمّها قاعدة التنف، وقاعدة كونيكو، وقاعدة حقل العمر.
قبل الأزمة السورية التي اندلعت عام 2011 لم يكن للولايات المتحدة أيّ وجود عسكري في سورية، فالعلاقة بين الدولتين لم تكن ودية في أيّ وقت من الأوقات حتى تسمح الحكومة السورية لواشنطن بإقامة قواعد عسكرية على أراضيها.
بعد اندلاع الأزمة تغيّر كلّ شيء على أرض الواقع، فالجماعات التكفيرية التي سيطرت على أجزاء واسعة من سورية، فتحت شهية واشنطن على ما يبدو، فشرعت بتشييد قواعدها العسكرية هناك، ابتداءً من العام 2015، أيّ بعد أربع سنوات على اندلاع الأزمة السورية.
ومنذ تشييدها حتى الساعة تعرّضت تلك القواعد للكثير من العمليات العسكرية الانتقامية والابتدائية، كان آخرها العملية التي قام بها فصيل مقاوم مرتبط عضويّاً بإيران، ويحظى بتغطية ودعم مباشرَين من الحكومة السورية الشرعية في دمشق، والتي أدّت وفقاً لما أعلنه البنتاغون إلى مقتل عسكري أميركي متعاقد، وجرح آخرين.
إذاً، ليست المرة الأولى التي تتعرّض فيها تلك القواعد لعمليات استهداف، لكنها المرة الأولى التي تتكبّد فيها قوات الاحتلال الأميركي خسائر في الأرواح، فهل هناك ما يؤشر إلى حدوث طارئ ما، أو إلى تبدّل في قواعد اللعبة، ضرب بعرض الحائط مقولة الزمان والمكان المناسبين؟
ذكرت مصادر إعلامية محلية وأميركية، أنّ إحدى القواعد الأميركية شرق دير الزور، تعرّضت لهجوم بطائرة مُسيّرة، أدى إلى مقتل متعاقد أميركي وجرح آخرين، أعقب ذلك قصف أميركي انتقامي لعدد من مواقع فصائل المقاومة العراقية والسورية المدعومة من إيران، أوْدى بحياة سبعة شهداء. تلاه هجوم صاروخي موازٍ شنّته الفصائل إياها، على قاعدة عسكرية أميركية في الجوار، أسفر عن تدمير وإحراق أجزاء واسعة منها.
إنّ التفكر مليّاً في الفعل وردّ الفعل، ينحو بنا إلى الاعتقاد بأنّ ما جرى ليس اعتياديّاً. هناك طارئ ما دخل على خط المواجهة المفتوحة بين أميركا وإيران وسورية حدا بالأخيرة إلى تسديد ضربة من العيار الثقيل، أفقدت الأميركي وعيه، وأدخلته في حالة غيبوبة، قد لا يتعافى منها بسهولة.
الهجوم بالمُسيّرات على القواعد الأميركية، كان أمراً روتينيّاً خلال السنوات الماضية، ويبدو أنّ قادة الجيش الأميركي قد ألفوا هذا النوع من الهجومات محدودة الأثر، لكن ما حصل قبل أيام، قلب الموازين، وأعاد رسم خارطة جديدة للأحداث، ربما ستتكشف تفاصيلها في وقت لاحق.
في محاولتنا لفهم حقيقة ما جرى وضعنا أمامنا احتمالين أو تصوّرين:
1 ـ أن تكون العملية التي استهدفت القاعدة الأميركية إياها معدّة بإتقان، وقد جرى تنفيذها بدقة لامتناهية، وبالتالي أن تكون النتائج التي أسفرت عنها متوخاة، ومطابقة لتوقعات وآمال المنفذين.
إذا صحّ هذا الاحتمال، فهذا يعني أننا أمام سيناريو مدروس ومعدّ له سلفاً وبعناية، وعليه فمن البديهي أن نخلص إلى أنّ هناك قراراً بالتصعيد قد اتخذ، وبأنّ مقولة المكان والزمان المناسبين قد سقطت إلى غير رجعة.
2 ـ أن يكون مقتل الجندي الأميركي قد حدث لمماً، وبطريقة غير مقصودة. بحيث أنّ المنفذين ما كانوا يريدون إيقاع خسائر في الأرواح في صفوف القوات المدافعة، وإنما كانوا فحسب يتوخون توجيه رسائل ميدانية كما جرت العادة، ولكن خطأً ما وقع، فأدّى إلى ما أدّى إليه.
إنّ سوء التقدير، أمر وارد في العمل العسكري، وإذا ما راجعنا تاريخ الحروب سنكتشف أن كثيراً من الهفوات والأخطاء الحربية قد وقعت بفعل سوء تقدير القائد أو الجندي الموكل بتنفيذ العمل المسلح. هذا أمر اعتيادي وغالباً ما يقع بصورة متكررة.
ولكن في حادثة مثل هذه الحادثة، يبدو مستبعداً وقوع خطأ مماثل. الأرجح أنّ القطعات العسكرية التي أوكلت مهمة التنفيذ، تعمّدت إيقاع قتلى في صفوف القوات الأميركية، بهدف إيصال رسالة ما، ربما يكون فحواها: إنّ القيادتين الإيرانية والسورية قد اتخذتا القرار بإخراج قوات الاحتلال الأميركي من سورية، وهذه أولى البشائر.
لقد جاء الوقت والمكان المناسبان، وعلى القوات الأميركية من الآن فصاعداً أن تدفع أثماناً باهظة.
بات واضحاً بالنسبة للمراقبين، أنّ سورية وحليفتها إيران، بدأتا تتصرفان فعليّاً، كما لو أنّ المنطقة خرجت من العصر الأميركي، ودخلت عصر ما بعد الأميركي، الأمر الذي يفسّر لنا الجرأة اللافتة في تنفيذ العملية، من حيث المكان والزمان.