خطوط حمر رئاسية…
} نمر أبي ديب
وسط غياب كامل للمواقف الخارجية الواضحة المتعلقة بالملف الرئاسي، وعجز الطبقة السياسية مجتمعة عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية، يتربّع «فخامة الفراغ» الغير مبرّر، على عرش الانتظار اللبناني والدولي، في مشهد استثنائي بامتياز، بلغت من خلاله التحديات الاقتصادية مداها الأبعد في رحلة التأثير المباشر الجدي والحقيقي على الأمنين «المالي والغذائي» ضمن سابقة اقتصادية لم يبلغها لبنان الحديث، كشفت فراغ الموقف الدولي في مقاربة الملفات اللبنانية ومن ضمنها الرئاسي، ما بدا واضحاً في جولة بربارا ليف، الاستطلاعية رغم الابتعاد الأميركي، وخطوات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الفاقدة حتى اللحظة، للفعالية السياسية.
عكست أيضاً حجم اللا مبالات الداخلية، وغياب الجدية الإقليمية/ الدولية في مقاربة أحد ابرز الملفات اللبنانية والاستحقاقات الدستورية، ما يؤكد على اكثر من علامة رئاسية فارقة، وقطبة مخفية، يؤكد على «خطوط حمر رئاسية»، داخلية وأخرى إقليمية دولية، فرضتها موازين القوى السياسية وأيضاً العسكرية، على الساحة اللبنانية ومجمل الدول المعنية في الملف الرئاسي، أبرزها فرنسا، والمملكة العربية السعودية.
هنا يجب التوقف أمام عناوين استثنائية، شكلت على مدى استقلال لبنان نقاط ومحطات خلافية، بلغت في مراحل «تظهير الانقسام اللبناني ـ اللبناني»، والصراعات الخارجية على مجمل المساحة اللبنانية «خطوط حمر استراتيجية بالنسبة لكثيرين»، نتيجة الانقسام العمودي والخلاف التاريخي على هوية لبنان، على انتمائه العربي بشكل خاص، وسياسته الخارجية، وهنا ندخل عملياً في صلب وجوهر العناوين الأساسية، الناظمة على المستوى الاستراتيجي، مجمل الخطوط الحمر الرئاسية في جزأيها الثابت والمتحرك، الجزء الخاضع لمتطلبات المراحل في الدرجة الأولى، ومفاعيل المتغيرّات الاستراتيجية عالمياً نذكر منها:
ـ «الهوية الرئاسية» لما تمثل بالمفهوم اللبناني والقراءات السياسية من ترجمة واقعية لتوازنات الساحة الداخلية، لمؤثرات «الفريق الإقليمي المنتصر»، لشرعية برلمانية يضفيها الفريق الأقوى على الساحة اللبناني، تحت سقف التوافق الرئاسي الداخلي، وأيضاً الخارجي الخاضع في جميع مقوماته السياسية، وحتى الزمنية لمنطق «التسوية».
ـ الحاضنة الإقليمية الدولية في هذه المرحلة: انطلاقاً من أولوية «إنجاح العهد» في حدّه الأدنى، تمهيداً لوقف التدهور، السياسي الاقتصادي الأمني وحتى المعيشي، على قاعدة فرض الوقائع السياسية بشروط التسوية، التي كتبت تفاصيلها الناجحة في مراحل سابقة، معادلة «السين سين» المتمثلة بكلّ من سورية والسعودية.
ـ التوافق اللبناني: «الحلقة الأصعب» في الاستحقاق الرئاسي، نظراً الى ما تقدّم في الدرجة الأولى، وغياب الموقف الإقليمي الواضح، «السعودي تحديدا»، بالتزامن مع مسار عالمي استثنائي، ذات حضور استراتيجي مبهم بالنسبة لكثيرين على الساحتين اللبنانية والإقليمية، لم تتضح مفاعيله السياسية بعد، ولا حتى مؤثراته العملية القادرة على فرض متغيّرات جوهرية، وأخرى أساسية في موازين القوى العالمية، ذات الانعكاس المباشر على الساحة اللبنانية، و»الاستحقاق الرئاسي» تحديداً.
ـ نصاب الثلثين: الضامن الأول للشراكة الداخلية وأيضاً للتوافق اللبناني اللبناني على «عهد رئاسي كامل»، يسهم بفتح باب النقاش والتوافق على سلة رئاسية كاملة، تبدأ مع حكومة العهد الأولى، قانون الانتخاب، قائد الجيش، حاكم مصرف لبنان وصولاً الى تعيينات الفئة الأولى وغيرها ضمن «تسوية رئاسية»، ضامنة على المستوى اللبناني استقرار سياسي مرفق بحلحلة اقتصادية في السنوات الست المقبلة.
ـ «الميثاقية الرئاسية» القائمة على عناوين أساسية بارزة وأخرى مركزية تحاكي في أبعادها السياسية والعديد من جوانبها البرلمانية «روح الدستور» في الدرجة الأولى و»جوهره الميثاقي»، القابل «للاجتهاد القانوني والتكهّن» انطلاقاً من «الحاضنة الشعبية» لشخص الرئيس، وصولاً الى حجمه التمثيلي داخل البرلمان، وهنا يجب التطرق الى «الميثاقية التعددية» القائمة على مرتكزات تحليلية مختلفة، ورؤية احتوائية شاملة من بينها :
«ميثاقية رئاسية فاصلة» على أكثر من مستوى، ما بين أصوات الكتل المسيحية، المرفقة بمظلة شعبية حاضنة داخل البرلمان وخارجه، و»الميثاقية الوطنية» العابرة للطوائف وأيضاً للكتل البرلمانية، وهنا تجدر الإشارة الى ميثاقية رئاسية ثالثة، قد تُضيفها بكركي بموقفها المؤيد الراعي والحاضن، لمطلق «شخصية رئاسية» لم يتوفر لها الإجماع، او حتى التأييد المسيحي الكافي تحت قبة البرلمان، وتلك علامة فارقة يمكن وضعها اليوم او حتى إدراجها ضمن إطار الصلاحيات الاستثنائية، التي تُوَفِّر من خلالها بكركي للاستحقاق الرئاسي مبادرات إنقاذية يتمّ تمريرها السياسي تحت سقف الميثاقية المسيحية التي طالب بها مجمل الأقطاب المسيحيين، ورأى فيها البعض «ممراً إلزامياً» للرئيس العتيد وأيضاً للانتخابات الرئاسية…
هنا تجدر الإضاءة على «واقعيتها الإنقاذية» من جهة، وسبل ترجمتها الفعلية التي باتت تحتاج الى أكثر من «دعوة كنسية، وخلوة روحية للصلاة والتأمّل» توجهها بكركي الى النواب المسيحيين.
انطلاقاً مما تقدّم قد تكون «الخطوط الحمر اللبنانية» جزءاً لا يتجزأ من المساءلة السياسية لاحقاً، وممراً إلزامياً في زمن التحوّلات الدولية والتبدّلات العالمية لبناء دولة عصرية، «قادرة وقوية» لكنها اليوم أكثر من مساهمة في رسم إطار العرقلة الداخلية، ووضع لبنان بجميع مكوناته الداخلية واستحقاقاته الدستورية، على منصات الانتظار السياسي لمجمل المتغيّرات الخارجية والتوقيت الدولي المناسب.