إحياء يوم الأرض بين تصاعد المقاومة وأزمة كيان الاحتلال وتراجع الهيمنة الأحادية الأميركية
} حسن حردان
يأتي إحياء ذكرى يوم الأرض في 30 آذار هذا العام في ظلّ تصاعد ملحوظ للمقاومة الشعبية والمسلحة ضدّ قوات الاحتلال والمستوطنين الصهاينة. من ناحية، وتفاقم أزمة كيان الاحتلال على الصعيد الداخلي من ناحية ثانية، وعلى صعيد تآكل قوّته الردعية في مواجهة حلف المقاومة، من ناحية ثالثة، وسط تكاثر الأصوات الصهيونية التي تحذر من انّ استمرار الأزمة العاصفة بالكيان بات يهدّد وجوده وينذر بقرب زواله… وتراجع ملموس في الهيمنة الأحادية الأميركية.
أولاً على صعيد المقاومة، انّ ايّ متابع للتطورات في فلسطين المحتلة، منذ 30 آذار عام 1976 يوم اندلاع المواجهات مع قوات الاحتلال في الأراضي المحتلة عام 1948 في مواجهة إجراءات مصادرة أراضي الفلسطينيين، يستطيع ان يتلمّس الخط البياني لتصاعد مقاومة شعب فلسطين وتمسكه بأرضه وحقوقه ورفضه التخلي عنها، وانّ هذه المقاومة، باتت اليوم، تزداد تجذراً وقوّة واتساعاً لا سيما في أوساط الشباب بمختلف أعمارهم، مما يعكس فشل سياسات الاحتلال، في إضعاف روح المقاومة من جهة، وإخفاقه في تدجين وترويض الأجيال الجديدة من الشباب الفلسطيني لجعلها تتعايش مع الاحتلال وتسلّم بالأمر الواقع، وما نتج عن اتفاق أوسلو ومتفرّعاته، من جهة ثانية…
وكان من اللافت على هذا الصعيد تبلور أطر جديدة للمقاومة الشبابية في مدن ومخيمات الضفة الغربية والقدس المحتلتين، أبرزها، عرين الأسود في نابلس، وكتيبة مخيم جنين، وكتيبة مخيم بلاطة، وكتيبة مخيم شعفاط في القدس وغيرها من أطر ومجموعات مقاومة قرّرت ان تنهج طريق الكفاح المسلح ضدّ الاحتلال والمستوطنين سبيلاً للدفاع عن عروبة الأرض والحقوق الوطنية، والنضال لتحرير فلسطين..
على انّ هذا التطور في حركة مقاومة الشعب الفلسطيني، إنما يدلل على تدشين مرحلة جديدة من النضال الوطني التحرري ضدّ الاحتلال، تتسم بسقوط كلّ الرهانات على الحلول السياسية مع عدو لا يفهم إلا لغة المقاومة المسلحة.. انّ هذا التطور في المقاومة المسلحة وانتشارها شكّل ضربة قاتلة لخطط الجنرال الأميركي كيت دايتون الذي أشرف على تدريب وإعداد الشرطة الفلسطينية وحلم بصناعة ما اسماه «الإنسان الفلسطيني الجديد»، الذي برأيه يجب أن يكون «مسالماً ومعترفاً بالأمر الواقع ويقبل العيش في ظلّ الاحتلال الصهيوني.. وان يلتزم بتطبيق «القانون الإسرائيلي»! لكنه أصيب بخيبة ومرارة كما قادة الاحتلال..
ثانياً، على صعيد الأزمة الداخلية للكيان المحتل، يبدو من الواضح أنّ هذه الأزمة إنما تؤشر الى مدى عمق الأزمة البنيوية للكيان المؤقت، ومجتمعه المصطنع، حيث طفا على السطح حجم الانقسام والشرخ بين مكونات هذا الكيان، بين متديّنين وعلمانيين، وبين غربيين وشرقيين، فيما الجيش الذي يشكل أساس وجود الكيان انتقلت الأزمة إلى صفوفه، مما دفع قادته إلى التحذير من خطورة استمرار الأزمة على وحدة وتماسك الجيش، واحتمالات شمولها القوات النظامية، وليس فقط ضباط وجنود الاحتياط، ولهذا سارع وزير الحرب يواف غالانت إلى مطالبة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بالتراجع عن إقرار التعديلات القضائية، غير انّ عمق الأزمة والانقسام السياسي والمجتمعي دفع الكثير من النخبة الصهيونية الى تسليط الضوء على حجم خطورتها وتداعياتها على مستقبل وجود الكيان، محذرين من اندلاع حرب داخلية قد تقود إلى زوال الكيان…
ثالثاً، على صعيد تآكل القوة الردعية لجيش الاحتلال في مواجهة حلف المقاومة، يلاحظ انّ هذا التآكل في قوة الردع في ازدياد مستمر، نتيجة تنامي قوة أطراف قوى المقاومة، والهزائم التي مُني بها جيش الاحتلال في مواجهة المقاومة، وتراجع الروح القتالية ومعنويات ضباط وجنود العدو، في حين فشلت حروب أميركا العسكرية والإرهابية في إضعاف حلف المقاومة.. نتائج هذا الفشل بدأت تظهر من خلال التحوّلات في المنطقة التي تجلت في الاتفاق على عودة العلاقات السعودية الإيرانية برعاية صينية، وعودة الخدمات القنصلية بين الرياض ودمشق، والحديث عن زيارة مرتقبة لوزير الخارجية السعودي إلى دمشق بعد انتهاء شهر رمضان، مما يشكل صفعة موجعة للسياسة الأميركية، ويؤشر الى تراجع النفوذ الأميركي، وانهيار خطط الكيان الصهيوني لتشكيل حلف «إسرائيلي» عربي في مواجهة إيران، وإقامة علاقات مع دول خليجية.. وهو أمر يصبّ في مصلحة حلف المقاومة، والقضية الفلسطينية..
على انّ هذه التحوّلات الإقليمية، ترافقت أيضاً مع تكرّس موازين قوى دولية جديدة تضع نهاية للهيمنة الأحادية الأميركية.. أبرز تجلياتها تعزز العلاقات الصينية ـ الروسية، والتي شهدت نقلة نوعية في القمة الروسية الصينية التي جمعت الرئيسين شي جين بينغ وفلاديمير بوتين في موسكو أحدثت نتائجها صدمة لدى صناع القرار في واشنطن والعواصم الغربية.. ومعروف أنّ كيان الاحتلال الصهيوني سيكون أكثر المتضرّرين من انتهاء زمن هيمنة الولايات المتحدة الأميركية، في حين أنّ الشعب الفلسطيني سيكون من أكثر المستفيدين من ذلك…