أولى

لبنان على حافة فوضى عارمة وشاملة… ما العمل؟

‭}‬ د. عصام نعمان*
لا غلوّ في القول إنّ لبنان بات في حال انحدارٍ متسارع الى فوضى عارمة وشاملة. ففي معمعة معاناةٍ قاسية من انهيار مالي واقتصادي واجتماعي، وشغورٍ في سدّة الرئاسة منذ ما يزيد عن خمسة أشهر، وعجزٍ في مجلس النواب عن انتخاب رئيس جديد بعد إحدى عشرة جلسة دونما طائل، وبقاء حكومة نجيب ميقاتي مستقيلةً بحكم الدستور نتيجةَ انتخاب مجلس نواب جديد في 15 أيار/ مايو السنة الماضية ما جعلها في حال تصريف الأعمال منذ أكثر من عشرة أشهر، واستشراء موجة تظاهراتٍ صاخبة واحتجاجات واعتصامات متصاعدة لأهالي ضحايا تفجير مرفأ بيروت، ولموظفي إدارات الدولة ومرافقها العامة، وللموظفين المتقاعدين في القطاع العام وقدامى القوات المسلحة، ولأساتذة الجامعة اللبنانية والمعلمين وشتى شرائح أصحاب الحقوق المهدورة، وتلويح وزير الاتصالات جوني القرم، بعد التشاور مع رئيس الحكومة، بأنه صار من الممكن تسليم قطاع “أوجيرو” بالكامل الى الجيش اللبناني كردٍّ على استمرار موظفي “أوجيرو” في إضرابهم ما أدّى الى اختلالٍ في خدمة الإنترنت.
في حمأة هذه الاحتجاجات والاختلالات سمح ميقاتي لنفسه بالقول إنه يفكر بالتنحّي. ثم ما لبث أن شدّ الرحال الى مكة المكرمة لأداء العمرة…
تنحّي ميقاتي ـ حتى لو بقيَ مجرد تهويل لكون حكومته مستقيلة أصلاً ـ يشكّل مع ذلك هزةً لحكومته المتصدّعة والقابعة على حافة منحدرٍ سحيق لفوضى شاملة قد يجد خلالها اللبنانيون، مواطنين ومسؤولين، أنفسهم يتخبّطون في معمعتها.
ما العمل؟
بادرتُ الى الدعوة والمشاركة في ندوةٍ بحثية ضمّت بعض المفكرين والناشطين القياديين في الحقل العام ممن لم يأكلوا ويشربوا على موائد أهل السلطة وأركان نظام المحاصصة الطوائفي الفاسد. فكّر هؤلاء وتناقشوا وخلصوا الى انّ الخروج من أزمة لبنان المزمنة والمستفحلة، وتفادي السقوط في مهاوي الفوضى الشاملة يتطلبان، أولاً، مسارعة دعاة التغيير والإنقاذ الى التوافق على ضرورة توحيد رؤى القوى الوطنية النهضوية وجهودها من خلال مؤتمر وطني جامع وتشكيل قيادة مشتركة له، للعمل بلا هوادة على تنظيم حراك شعبي بغية وقف الانهيار وضمان الإنقاذ من خلال وضع وتنفيذ خطة عملانية متكاملة قوامها تحقيق الاولويات الاكثر إلحاحاً:
أولاً: تأمين الضروريات الحياتية الأكثر إلحاحاً كالغذاء والدواء والكهرباء والنقل.
ثانياً: انتخاب شخصية وطنية توافقية لرئاسة الجمهورية، والمبادرة الى تأليف حكومة وحدة وطنية تتولى تنفيذ خطة تعافي وطني متكاملة قوامها:
ـ تفعيل التحقيق الجنائي في جرائم نهب المال العام.
ـ استعادة الاموال المنهوبة والمهربة الى الخارج.
ـ استعادة ملاءة الدولة المالية بتنظيم الجباية وبقروض ومساعدات من الدول الصديقة المانحة.
ـ تصفية الدين العام وتوزيع الخسائر بصورة عادلة، لاسيما على المستفيدين من الهندسات المالية.
ـ توحيد سعر صرف العملة اللبنانية وتثبيتها إزاء العملات الصعبة.
ـ إعادة هيكلة القطاع المصرفي.
ـ إقرار قانون استقلال السلطة القضائية.
ـ الاتجاه شرقاً للإفادة من مشروعات الدعم والتنمية المتاحة من دول الصين وروسيا وإيران.
ـ التعجيل في أعمال الحفر والتنقيب واستخراج النفط والغاز في مياهنا الإقليمية وتوظيف العائدات في دعم الاقتصاد الوطني.
ثالثاً: تحقيق توافق وطني عريض على هدفين إصلاحيين استراتيجيين:
أ ـ اعتماد قانون ديمقراطي للانتخابات يحقق صحة التمثيل الشعبي وعدالته على الأسس الآتية:
ـ تنفيذ أحكام الدستور لجهة انتخاب مجلس نواب على اساس وطني لاطائفي ومجلس شيوخ لتمثيل الطوائف.
ـ اعتماد الدائرة الوطنية الواحدة والتمثيل النسبي.
ـ خفض سن الإقتراع الى الثامنة عشرة.
ب ـ خطة متكاملة للدفاع الوطني تكفل حماية أمن لبنان وسيادته، ومواجهة العدو الصهيوني بتسليح الجيش الوطني وتعاونه مع المقاومة لضمان الدفاع عن أرض لبنان ومياهه.
بعد التوافق على الأولويات سالفة الذكر، قلتُ للأخوة والرفاق المتحاورين إنّ المقاربة وخطة العمل المتفق عليهما جيدتان نظرياً إنما قاصرتان عملياً. ذلك انّ احتمال سقوط البلاد والعباد في هوة فوضى عارمة وشاملة بات وشيكاً الأمر الذي يتطلب المسارعة الى دعوة عشرين شخصية قيادية مستقلة غير مرتبطة او موالية لقوى خارجية متحالفة مع “إسرائيل” أو محتلة لقطرٍ عربي او مناطق من قطرٍ آخر، لعقد ورشة عمل عاجلة تبحث وتخرج بخطة عملانية لمواجهة الفوضى الماثلة وكيفية تفاديها، وفي حال استشرائها التفاهم على كيفية تعاون القوى الوطنية بمختلف مشاربها على محاصرتها وتجاوزها بتحديد دور كلٍّ من القوى الوطنية المشاركة في عملية المواجهة والوسائل الممكن اعتمادها في هذا السبيل.
قد يقول قائل إنّ ثمة أولويات معيشية واستحقاقات سياسية ملحّة يقتضي الوفاء بها قبل الشروع في تنفيذ الخطة العملانية سالفة الذكر. هذا صحيح، لكن ما من مانع يحول دون قيام الناهضين بتنفيذ الخطة، وبالتوازي معها، بالعمل مع ما تبقى من الإدارات العامة والهيئات الشعبية على الوفاء بالأولويات المعيشية الملحّة بقدْر ما تستطيع شريطة ألاّ يتعارض ذلك مع ضرورة التركيز على مواجهة التحديات السياسية والأمنية الأكثر خطورةً وإلحاحاً.
إنّ أخطار الفوضى العارمة والشاملة ماثلة، وضرورة المبادرة بلا إبطاء الى مواجهتها سياسياً وميدانياً باتت أولوية مطلقة، أليس كذلك…؟
* نائب ووزير سابق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى