أولى

زيارة الوزير عبد اللهيان إلى بيروت

وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان دبلوماسي عتيق وعريق وسياسي محنك وقارئ مثابر وكاتب كلما سنحت الفرصة، ومتحدث لبق ومستمع متواضع، وهو في قلب مجموعة اهتمامات تضغط على وقته بثقل كبير، يتلقى دعوة نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود ويستعد لتلبيتها وتوجيه مثلها له، ويتولى الإعداد للزيارة القريبة للرئيس الإيراني السيد إبراهيم رئيسي الى دمشق، وهي زيارة تاريخية بمقاييس كثيرة فيها الكثير من السياسة والاقتصاد والاستراتيجيات بين البلدين اللذين واجها منفردين المشروع الأميركي منذ عام 2000 حتى عام 2015 والتموضع الروسي في سورية، وأمامه تطور العلاقة بروسيا والصين وملفات كل من العلاقتين الاستراتيجيتين، والعلاقة بتركيا ومن خلالها العلاقة السورية التركية، وبين يديه أوراق الملف النووي الإيراني ورصد فرص التفاوض والتصعيد، وملفات أخرى لا تقل أهمية، ورغم ذلك يجد ما يقارب ثلاثة أيام يقضيها في لبنان.
لم يأت الوزير عبد اللهيان وعلى جدول أعماله مهمة معينة للإنجاز، بل جاء ليقول أولاً إن لبنان الذي يحتضن أشرف مقاومة في التاريخ يمثل لإيران ثقلاً استراتيجياً يتجاوز حجم مساحته وعدد سكانه وحجمه الاقتصادي، وليخبر أوسع مروحة سياسية من اللبنانيين بأن فرصة ذهبية تنفتح أمامهم مع خصوصية التفاهمات الإقليمية وما تبشر به من انفراجات، وهي تفاهمات تزيل عن كتف اللبناني ضغوطاً وتوترات وانقسامات كانت نتيجة طبيعية للصراع بين دولتين محوريتين كبيرتين في المنطقة هما إيران والسعودية، دون أن تستبدل النزاع بثنائية تقاسم مصالح وأدوار وفرض وصايات، وكما كان اللقاء السعودي الإيراني بتعبير الراعي الصيني خطوة نحو الاستقلال الاستراتيجي، فلبنان وسواه من بلدان تعاني تأثير الصراعات الإقليمية الكبرى أمام فرصة المزيد من الاستقلال الوطني.
أميركا في الإقليم بعد الاتفاق السعودي الإيراني ليست كما كانت قبله، و”إسرائيل” كذلك، وفرنسا المهتمة بلبنان تدرك ذلك وتتعامل على أساسه، والدول الأخرى المهتمة سواء القريبة من إيران أو القريبة من السعودية تدرك حجم مظلة الاستقلال التي يتيحها اللقاء السعودي الإيراني برعاية الصين. وهذا مضمون ما يعنيه رفع سقف الاستقلال في مقاربة الاستحقاق الرئاسي، حيث لن يتدخل أحد ويضغط على أي فريق لبناني كي يتبنى ترشيحاً أو ينسحب او يتراجع عن ترشيح.
تفتح الجلسة التي جمعت الوزير عبد اللهيان مع ممثلي كتل نيابية يمثلون أكثر من الأغلبية اللازمة لانتخاب رئيس جديد، وهم يمثلون مقاربات رئاسية مختلفة، الباب واسعاً لبدايات جديدة رئاسياً، ويصبح العدد ما فوق الحاجة لتأمين النصاب إذا أضيف إليهم نواب مستقلون غابوا عن اللقاء وتربطهم علاقة صداقة عميقة بالسعودية، ولهم رأيهم الرئاسي أو آراؤهم الرئاسية، ما يعني أن مقدمات حوار قادر على إنتاج رئيس في ظلال التقارب السعودي الإيراني تقترب.
رغم كل ذلك كان تذكير الوزير عبد اللهيان باستعداد إيران للمساهمة الجدية في حل أزمة الكهرباء مشفوعاً هذه المرة بإضافة الاستغراب للخوف اللبناني من العقوبات، في زمن الاستقلال الاستراتيجي.

التعليق السياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى