ما لا ينتبه له الكثيرون بين سورية وإيران مع زيارة رئيسي
ناصر قنديل
– تمثّل زيارة الرئيس الإيراني السيد إبراهيم رئيسي أول زيارة لرئيس إيراني لسورية منذ الأزمة التي عصفت بسورية والحرب التي شنّت عليها قبل اثنتي عشرة سنة، وكانت آخر زيارة لرئيس إيراني الى دمشق قد قام بها الرئيس أحمدي نجاد، وخرجت منها الصورة الشهيرة التي تجمعه بالرئيس السوري بشار الأسد وقائد المقاومة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، والتي اعتبرها البعض أحد أسباب الحرب الأميركية الإسرائيلية على سورية، بصفتها أول إعلان عن تشكيل نواة لمحور المقاومة. ومع زيارة الرئيس رئيسي تنتشر تعليقات وتحليلات ومواقف تتحدّث عن فرضية ضغوط إيرانية على سورية للتنازل عن شروطها لعقد لقاء قمة يجمع الرئيس الأسد بالرئيس التركي رجب أردوغان.
– ما لا ينتبه له الكثيرون أن الحديث يدور عن دولتين تلاقى نظام الحكم في كل منهما على بناء جسر استراتيجيّ لا يهتزّ منذ قرابة خمسة وأربعين عاماً، هي عمر انتصار الثورة الإسلامية في إيران وارتباط سورية معها بهذا التحالف الاستراتيجي، الذي وجدت فيه سورية تعويضاً عن خروج مصر مع اتفاقيات كامب ديفيد من الصراع مع كيان الاحتلال. وقد لا تكون في العام دولتان يحكمهما نظام مستقر بقيادة لون سياسي واحد يحافظ على إدارته للدولة خلال مثل هذه المدة الطويلة وترتبطان بعلاقة مشابهة، ونجحتا خلال هذه المدة الطويلة بتجاوز محطات شديدة الصعوبة واحتواء حروب وضغوط وحصار، فوقفتا معاً وراء المقاومة في لبنان حتى انتصارها عام 2000، وانتصرتا معها في حرب تموز 2006 ومثلها مع المقاومة في فلسطين حتى تحرير غزة عام 2005 وانتصرتا معها في حرب 2008، وتحملتا معاً أعباء دعم المقاومة في العراق لاستنزاف الاحتلال الأميركي وإجباره على الانسحاب عام 2011، وكانت التجربة الأهم والأعظم لهما في الانتصار على الحرب الكونية التي تعرّضت لها سورية، والنصر الأهم فيها كان على تنظيم داعش، في سورية والعراق، وصولاً الى إنتاج تحالف ثلاثي سوري إيراني روسي كان له الأثر الفاصل مع قوى المقاومة في فرض مسار من الانتصارات انطلاقاً من معارك حلب وصولاً الى الغوطة والجنوب والشمال في معارك دير الزور والبوكمال. وينطلق السوريون والإيرانيون من هذا الإرث العظيم لمناقشة كيفية مواصلة الطريق حتى تستعيد سورية عافيتها السياسية والاقتصادية، بصفتها، الركن الواقف على خط الأعاصير لهذا الحلف، فهي شرفة الحلف على المتوسط وهي جبهته على حدود فلسطين المحتلة، والتعافي السياسي هو بسط الدولة لكامل سيادتها على حدودها كما كانت عام 2011، والتعافي الاقتصادي هو استعادة الثورات النفطيّة التي تمكن الدولة من تشغيل اقتصادها انطلاقاً من إعادة الحياة لقطاع الكهرباء بكامل جهوزيته.
– تدرك إيران بعمق أكثر من غيرها أن أي مطالبة لسورية بالتهاون في التوصيف والموقف من الاحتلال التركي، سوف يعني ثلاث نتائج مباشرة، الأولى هي توفير الغطاء لبقاء الاحتلال الأميركي، والثانية هي مزيد من التصلب لدى الجماعات الكردية المسلحة بخلفية الاستثمار على بقاء الاحتلال الأميركي، والثالثة هي فتح الطريق لإضعاف مشروع الدولة السورية، ما يعني فتح الطريق لاستعادة الجماعات الإرهابية التي يتقاسم الأميركيون والأتراك رعايتها بعض الروح التي فقدتها، وعودتها الى التوسّع خصوصاً في المناطق الرمادية كحال صحراء تدمر؛ بينما التمسك بدعم الموقف السوري بالمطالبة بموقف سياسي تركي واضح لجهة الالتزام بالانسحاب من الأراضي السورية، فسوف يعني إشعار الأميركيين بأن عليهم المسارعة بالانسحاب قبل أن يصبح احتلالهم مكشوفا بلا غطاء مع بدء جدولة الانسحاب التركي، وسوف يعني إشعار الجماعات الكردية ان الأميركي لن يبقى في سورية وأن لا ملاذ لها إلا العودة الى الدولة السورية والتفاوض معها على حلول سياسية. وهذا سوف يعني إشعار الجماعات الإرهابية بأنها باتت بلا غطاء وأن اي تحرك طائش سوف يُسرع بنهايتها، وهذا يعني تزعزع الكانتونات الانفصالية شمال شرق وشمال غرب سورية، وتلك هي وصفة التعافي التي تريدها إيران كما تريدها روسيا لسورية.
– عشية زيارة الرئيس بشار الأسد الى موسكو قيل وكتب الكثير عن فرضية مشابهة لضغوط روسية على سورية للتخلي عن شروطها، لكن الحصيلة كانت أن اللقاء الذي جمع الرئيس الأسد بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم يستهلك سوى دقائق معدودة لحسم هذا الأمر بتبني وجهة نظر الأسد، الذي أعاد تأكيدها عبر منابر الإعلام الروسي من موسكو.
– قمة رئيسي والأسد سوف تخرج سياسياً بما يعزّز موقع سورية واقتصادياً بما ينعش اقتصادها.