لقاء عمان الخماسي والموقف الأميركي من سورية
ناصر قنديل
– خلال الشهور الماضية التي شهدت حركة متسارعة تحت عنوان العودة العربية إلى سورية على مستوى العديد من العواصم، كان أبرزها الانفتاح السعودي الذي ترجمته لقاءات في دمشق والرياض كان محورها وزير الخارجية السعودية فيصل بن فرحان، الذي بدأ التبشير بزمن جديد عربياً في التعامل مع الدولة السورية أسماه بالزخم المتزايد للعودة إلى سورية، أصدر الأميركيون على مستويات الإدارة المختلفة مواقف تؤكد رفض هذا الانفتاح وتحذّر من هذه العودة، واستخدمت في كلامها مصطلحاً مشبوهاً يراد تسويقه يصف العودة العربية الى سورية بمصطلح الزحف العربي ذاته نحو الكيان، وهو مصطلح التطبيع، لتضع العلاقتين في منزلة واحدة.
– لم تتوقف مسارات العودة العربية الى سورية، ولم تتوقف المواقف الأميركية المناوئة، فهل نحن أمام تصادم أم أن هناك مسارات قابلة للتقاطع في نقطة معينة تفرضها التحوّلات التي تشهدها سورية وما حولها، وما يبرر طرح السؤال هو أنه بالرغم من التباينات التي تظهر حول السياسات بين الرياض وواشنطن، خصوصاً مع الاتفاق السعودي الإيراني برعاية الصين وشراكتها، وما يمثله من تعبير عما وصفته بكين بالاستقرار الاستراتيجي، وكثيرة هي مؤشرات التأكيد السعودي والأميركي على حجم العلاقة التي تربط بينهما، من جهة، وما يظهر على جوانب المقاربة الأميركية السلبية من العودة إلى سورية، من مؤشرات على أن الموقف السلبي لا يختصر المقاربة الأميركية. فمن جهة هناك الكلام الأميركي المتزايد حول الانسحاب من سورية، وفقاً للنقاشات التي يشهدها الكونغرس الأميركي منذ شهور، ومثلها النقاش حول جدوى المضي قدماً بمنهج فرض العقوبات، ومن جهة ثالثة ما صدر عن الجماعات الكردية المحسوبة تحت الراية الأميركية من مبادرة لفتح قنوات الحوار مع الحكومة السورية، وهو ما لا يمكن حدوثه دون مباركة أميركية، رغم أن مضمون المقترح السياسي المطروح للحوار من الجماعات الكردية لا يزال شكلياً وعاجزاً عن تمثيل أي فرصة للاختراق نحو تحقيق تفاهمات، وأخيراً جاء الاجتماع الخماسي الذي عقد في عمان وشاركت فيه دول يصعب تصديق أنها تتحرّك دون تنسيق مع واشنطن، خصوصاً في ملفات إقليمية حساسية، حيث إضافة لوزيري خارجية سورية والسعودية ضمّ الاجتماع وزراء خارجية الأردن ومصر والعراق، ويكشف ما تمّ نقاشه والاتفاق عليه في الاجتماع أن واشنطن كانت في صورة التحضير للقاء وجدول أعماله وتمّ وضعها في صورة مخرجاته.
– يستخدم وزير الخارجية الأردنية أيمن الصفدي في مشروعه المقترح لتطوير العلاقة مع الدولة السورية مصطلح الـ «خطوة مقابل خطوة»، متحدثاً عن خطوة تقدّمها سورية يقابلها العرب بخطوة، مضيفاً أن العرب يستطيعون ضمان مشاركة غربية أوروبية وأميركية في الخطوات المقابلة، والمعلوم أن ورقة أميركا القوية التي لا يستطيع العرب تجاهلها ولا إسقاط مفاعيلها، هي العقوبات المفروضة على سورية، التي إن تجاوزتها الحكومات، ستبقى مفاعيلها على القطاع الخاص وتجنبه الاستثمار والتعامل مع الدولة السورية، وتبقى قضية التعامل المصرفي المرتبطة بصورة مباشرة برفع العقوبات، ولم يخف الأردنيون أنهم يتحدثون هنا عن ثقتهم بأن استثناءات من العقوبات ستكون ممكنة وفقاً لبرنامج خطوة مقابل خطوة، ولن يكون صعباً على أي باحث اكتشاف أن جذر الفكرة موجود في ورقة عمل نشرها مركز جيمي كارتر في مطلع العام 2021، وقد قام بإعدادها كل من الدبلوماسي السابق جيفري فيلتمان والباحث في مركز كارتر هرير بليان، وتقول بأن من الممكن تحقيق نجاح فشلت العقوبات في تحقيقه من خلال قائمة تفاوضية للخطوات المتقابلة بين سورية ودول الغرب، وتقترح البدء باستثناء قضايا عودة النازحين والبنى التحتية المرتبطة بالعودة وملاحقة وباء كورونا، من أي عقوبات، مقابل قوانين عفو وتسهيل تدفق المساعدات وعودة اللاجئين، وتبدو هذه القضايا ذاتها عناوين الورقة الأردنية التي قال اجتماع عمان إن ما تم الاتفاق عليه يسمح بالتخاطب مع الشركاء الدوليين لملاقاة الخطوات السورية بخطوات مقابلة.
– يقول المسؤولون السوريون إنهم لن يقبلوا تسديد أي ثمن سياسي لقاء أي انفتاح، ومن أي كان، ووفق هذا المبدأ تنظر دمشق لملف علاقتها بتركيا ونظرت لكل ملف الانفتاح العربي في مراحل مختلفة، فتعرّضت العودة مرات لهذا السبب وتيسرت أخيراً لأن المعنيين من العرب أدركوا أن هذه هي سورية، لكن دمشق لا تمانع بالخطوات المتقابلة تحت عنوان الملف الإنساني، لأنها بدون مقابل تقوم بما تعتقد أنه يريح فئات من الشعب السوري ويسهل مهمة استردادها، سواء بخطوات تطال قوانين العفو او عودة النازحين، واذا كان البعض يريد أن يقدم هذه الخطوات ضمن قائمة تبادلية يرفع بموجبها بعض العقوبات عن سورية او يربطها باستثناءات كما في حال الزلزال، فتلك مقايضة لا تدخلها سورية، لكنها لا تمنع الآخرين منها، طالما أنها تشكل مخرجاً إنسانياً لتبرير التراجع عن عدائية غير مشروعة وغير مفهومة وغير مبررة ضد سورية، سواء من بعض الأشقاء أو بعض دول الغرب.