دردشة صباحية
من الذاكرة
يكتبها الياس عشّي
كنت في السادسة عشرة من عمري، يوم تعرّفت في اللاذقية، المدينةِ الشاميّة المسكونة بالشعر والأزرق والثورة، على صبيّة أنيقة وصلت لتوّها من بيروت.
وكانت الصبيّة تحمل في حقيبتها قصائدَ من نوع آخرَ، نوع لم آلفْهُ في قراءاتي المدرسية، ولا في لهجات أساتذتي، ولا في مطالعاتي اليومية؛ قصائدَ بإيقاع جديد، ونمطيّة أخرى… قصائدَ لا تعترف بطقوسيّة الشطرين، أو بأصولية الخليل. وفي حقيبة هذه الصبيّة الحلوة والوافدة من بيروت أسماء تهجّينا حروفها في قراءة أولى، وكرّرناها في قراءات متتالية، ثم صارت الأسماء الجزءَ الأساس من مرحلة شعرية أقضّت مضجع الشعر العمودي، وأنزلته عن عرشه.
مع هذه الصبيّة تعرّفت أولاً على سهيل أدريس، ثَمّ تعرّفت على بلند الحيدري، وصلاح عبد الصبور، ونزار قباني، وأدونيس، ونازك الملائكة، وفدوى طوقان، ومحمد الماغوط، وغيرهم… قرأت شعرهم، وأحببت نغماتهم، واختبأت وراء أفكارهم ومشاعرهم وأخيلتهم، وبهرتني ألفاظهم، ورحت أزهو بهم.
هذه الصبيّة كان اسمها «الآداب».