سورية… حرب وإنجاز وعودة… فإقرار
} زهر يوسف
ما فتئت سورية عبر سني الحرب عليها رغم الجفاء العربي والمقاطعة الغربية، وما تلا ذلك من تسعير للخطابات والتحشيد وإغلاق السفارات ورفع نبرة الوعيد والتهديد أسوة بمقطورة الربيع الدامي الذي بدأت في تونس والواضح أنها لن تنتهي بما يجري الآن في السودان، التأكيد على عبارة أنّ من غادر دمشق سيعود إليها بعد أن ينكشف حجم التآمر ومآلات التخطيط التي رُسمت لإسقاط الدولة السورية وبعد أن تستعيد الأخيرة عافيتها من تنظيمات اتفقت في ما بينها على التكفير والدم فيما صراع النفوذ ينخر جسدها برمته.
هذه العبارة «الجميع عائد لسورية» كانت حتى الأمس القريب محط استهجان لدى من رفعوا شعار الخصومة أو العداء لسورية لا بل البعض منهم ذهب بعيداً في التوصيف أنّ من يردد تلك العبارة حتماً لا يعيش في الواقع ويلامس حالة السراب، لنكون على بعد أشهر قليلة فقط أمام حقيقة ومصداقية تلك العبارة التي ما دأبت سورية في التأكيد عليها إنْ بالقول وإنْ بالفعل حيث بدت دمشق، الوجهة الأساس لزيارات عربية ودولية متنوّعة التوصيف الوظيفي غير أنّ نتائج تلك الزيارات التي قضيت أو التي يعمل على بلورتها تصبّ في خانة الإجماع أنّ الاستدارة صوب سورية واجبة لما تمثله من دور فاعل ومحوري على الساحتين العربية والإقليمية بفضل هندسة واقع جيوسياسي سوري يؤثر ويتأثر لما يجري على مستوى الإقليم الذي تأثر سلباً في فترة الحرب على سورية ناهيك عن التجاذبات السياسية العربية منها والغربية التي أخذت اصطفافات بعيداً عن مصالحها هي بالدرجة الأولى كدول على الخارطة الدولية قبل أن تكون في مصلحة الدولة السورية.
والجديد أنّ هذا الأسبوع كان حافلاً بامتياز على صعيد السوري ـ العربي، ففي الأردن التأم اجتماع خماسي في عنوانه العريض سورية، وقبله التنين الصيني عبر مبعوثه الخامس إلى منطقة الشرق الأوسط حط في دمشق وتباحث مع القيادة السورية بما هو أبعد من استراتيجية العلاقة التي تحكم دمشق وبكين، لتكون العلاقة الحاكمة بين الدول على المستوى العالمي نقطة ارتكاز أساسية تمّت الإضاءة عليها والتي تلعب فيها الصين الدور الهادئ، الوازن كما قال الرئيس بشار الأسد وأردف بأنّ ما تقوم به الصين اليوم هو الحدث الأهمّ على الخريطة العالمية.
حراك يتوازى مع زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى سورية، وأهمية الزيارة تأتي كونها أول زيارة رئاسية إيرانية لسورية منذ بدء الحرب عليها ربيع 2011 على رأس وفد وُصف بأنه رفيع المستوى وسط حديث هامّ عن توقيع سلسلة من الاتفاقيات ذات الصبغة الاقتصادية والتي تحتلّ الأولوية لسورية كونها تتحضّر لمرحلة إعادة الإعمار، وسيكون لإيران حجر زاوية في ذلك، وهذا ما لا تخفيه سورية في أيّ محفل كان محلياً أو إقليمياً وكذلك دولياً بأنّ الدول التي وقفت إلى جانب سورية ستكون لها أولوية الاستثمار في مرحلة إعادة الإعمار لتتثبّت أكثر نواة التحالف الاستراتيجي بين دمشق وطهران.
واتساقاً مع الحراك النشط الحاصل في أكثر من اتجاه وساحة، يبرز موقف لافت لأمين الجامعة العربية أحمد أو الغيط بإقراره مؤخراً أنّ الرئيس الأسد ربح المعركة في سورية حين حسمها عسكرياً، إقرار يدلل مباشرة على أنّ «السيد» أبو الغيط كتب السطر الأخير من سيناريو المراهنات الفاشلة على سقوط الدولة السورية، غير أنّ الأسئلة المشروعة.. لماذا الآن أقرّ أبو الغيط بانتصار سورية، وأيّ مفاعيل لهذا الإقرار؟ أحقاً كان يحتاج الإقرار إلى قرار سياسي عربي؟ أم أنه ينتظر أو لا ينتظر ضوءاً أخضر من صانع القرار الأميركي لفكّ تجميد عضوية سورية في جامعة العرب! وبالتالي انفتاحه هو الآخر على سورية سيراً على خطى الرياض وأبو ظبي اللتين أعلنتا تمرّداً من بوابة السوق الطاقوية في العالم بالتوافق مع روسيا الحليف الوثيق للدولة السورية.
أهي صدفة بحتة؟ مع العلم أن لا شيء صدفة في عالم السياسة، ثم ألم يقل أبو الغيط ذات مرة إنه لم يكن ليوافق على ما حدث في الجامعة تجاه سورية وهنا ينسال سؤال هل كان بمقدوره فعلاً لجم الاندفاعة القطرية حينها في تجميد مقعد سورية عام 2012؟ وإذا كان الحال كهذا لماذا لم يُتخذ قرار شجاع وجريء بعودة سورية إلى مقعدها المجمّد حتى كتابة هذه السطور إذا كان مقتنعاً بأنّ الدولة السورية نجحت في معركتها؟ أم أنه اعتراف له توقيته وطريقة إخراجه، لا سيما أنّ هناك دولاً مثل قطر والكويت والمغرب لا تزال تمارس التعنّت تجاه أيّ انعطافة صوب سورية، الأسئلة تترى تباعاً غير أنّ الحال العربي المنطلق من رحم الجغرافيا يمكن أخذ عبره مما تلقفته السعودية، والإمارات، والجزائر، وتونس، ومصر، وحتى الأردن والعراق، برفض محاولات إقصاء سورية عن محيطها العربي أو على أقلّ تقدير استدامة الوضع العربي الذي كان قائماً تجاه سورية خلال أعوام مضت، وهذا ما أكده اجتماع جدة، الذي بحث عودة سورية، وإنْ كان الاجتماع شهد آراء رمادية بين بعض الدول العربيّة، عكس اجتماع الأردن الخماسي الذي قدّم ورقة ختامية بعد مباحثات استمرت ساعات وأفضت إلى مبادئ لطالما أكدت سورية عليها من رؤية سيادية وطنية ومن الحفاظ على وحدة تراب سورية واستقلالها ووضع خطة شاملة لمكافحة الإرهاب الذي اكتوى بنيرانه الكلّ على حدّ سواء، في خلاصة تؤكد المؤكد أنّ البيان الذي أعلن من العاصمة الأردنية عمّان أراد إرسال رسالة مقروءة العنوان والمضمون مفادها أنّ وطن الضاد ومعه الإقليم والمنطقة ككلّ بحاجة ماسّة إلى الاستقرار والهدوء وليس فقط سورية، لذا قد يكون مفهوماً ما سرّبته صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية من أنّ الرئيس السوري رفض تقديم تنازلات لوزراء خارجية العرب مقابل عودته إلى الجامعة العربية وهو ما أعلنته صراحة سورية بأنها غير مهتمّة بهذه العودة إنْ كانت شكلية صورية بل الأهمّ هو تمتين العلاقات بشقها الثنائي بين العرب، دون ترميد الأعين سابقاً أنّ بعض الدول العربية دعمت وموّلت وحوت ما أسمتها «المعارضة السورية» ووفرت لها إكسير الحياة وحاولت كثيراً تعبيد طريق دمشق كي يدخلوها «أمنين»، وإذ بهياكل المعارضة منقسمة على نفسها متصدّعة، متشرذمة، والفشل كان حليفها من بوابة العسكر وفي الأروقة السياسية والدبلوماسية.
ليبقى الثابت أنّ الحراك تجاه دمشق يرصد بالعين المجردة دونما شهود عيان زور من خلف الستائر والجدران، ومن قال بالأمس لا بوجه سورية هو اليوم يمدّ يده مصافحاً متبسماً آخذاً من الماضي عبرة لمستقبل آتٍ، ثماره أبعد من علاقات ثنائية بينية على أهمية ذلك لتطال الإقليم ككلّ، فليس العرب من تغيّروا فقط بل العالم بكليته يتغيّر وبسرعة، ويكفي النظر إلى حجم التكتلات والأحلاف السياسية والاقتصادية والمالية التي تتشكل لنكون أمام مشهد أقله كش ملك دولار وهو ما يعني انكماش القبضة الأميركية في أكثر من جغرافيا، وما ألسنة النار المتصاعدة في أفريقيا والتوتر المرصود شرق أسيا في محاولة أميركية إلى عسكرة المنطقة إلا إشارة واضحة لحجم التأزم الأميركي وعلينا الانتظار…