الحلف الإيراني السوري جوهر القلق «الإسرائيلي»
} رنا العفيف
العلاقة السورية الإيرانية ليست وليدة اللحظة، وإنما هي علاقة تاريخية جذورها ضاربة في عمق الأرض، حيث جمعت البلدين قواسم مشتركة كثيرة كان أبرزها القضية الفلسطينية التي كانت حاضرة في زيارة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي إلى دمشق. فكيف نقرأ او نترجم هذة الزيارة بكلّ تفاصيلها وأبعادها الاستراتيجية والجيو سياسية؟
طبعاً تأتي هذة الزيارة في توقيت مهمّ وهي أحد أوجه التقارب الكبرى بين سورية وإيران ومحط أنظار قلق كبيرين لـ «إسرائيل» وأميركا التي عنونت وسائل إعلامها هذا، وبالتالي هذا التشابك الكبير الذي جمع هذين الحليفين هو جوهر القضية الفلسطينية التي ثابرت كلّ من سورية وإيران على دعمها لا سيما أنها لم تغب عن ناظرهم للحظة في كلّ المناسبات، وتحديداً في ظلّ الإنفتاح العربي والدولي على سورية، فكانت هذة الزيارة التاريخية هي تتويج لمرحلة الحرب العسكرية، ومن بعدها مرحلة التحدي الاقتصادي الكبير التي ستكون مدماكاً جديداً في البيت السوري الإيراني لتعزز قوة البلدين اقتصادياً وسياسياً، كما عززت مداميك المعارك المشتركة وتعمّد الدم السوري والإيراني الزاكي على الأراضي السورية خلال الحرب عليها مجتازين بذلك كلّ مراحل وخطوط الصعاب التي عصفت بهما في مواجهة هيمنة الغرب على المنطقة التي شهدت أعتى أنواع المعارك القاسية التي يسطرها تاريخ البشرية جمعاء.
كان لهذا التحالف نتائج بارزة خطت بعناوين عريضة منها تثبيت هوية المنطقة واستعادة التموضع العربي إلى مكانه الصحيح، بمعنى أن كان لطهران دور هام في المصالحات العربية تجاه سورية ترجمت بالمفهوم السياسي أنّ المنطقة لا تصلح إلا لأهلها لا للغرباء، بعيداً عن أيّ تدخل أجنبي، وأثبتت بذلك قدراتها الفاعلة على أرض الواقع ولامسنا التغييرات الحاصلة وهي بمثابة إنجازات كبيرة بطبيعة الحال خاصة على صعيد جبهة المقاومة، حيث أفرد الرئيس الإيراني قبل وصوله إلى دمشق وبعد ذلك مساحة واسعة للمقاومة ولفلسطين وتحدث عن المجاهدين الشجعان في غزة والضفة الغربية، وتحدّث أيضاً عن كلمة للمجاهدين في تقرير مصير الكيان الإسرائيلي، وهذه نظرة إيرانية تتقارب مع عقارب الساعة بتوقيت المقاومة إذ دقت الساعة الصفر بالعدّ التنازلي لزوال «إسرائيل»، وهذا له تفاصيل أخرى تحاكي ما يجري في فلك المقاومة الفلسطينية من عمليات فدائية وغيرها…
عندما يقتضي شرح الرئيس الإيراني حول موقف إيران من المقاومة الفلسطينية تكون هناك مؤشرات لمرحلة جديدة تفوق حجم المعارك المشتركة التي قادها العسكريون الإيرانيون الكبار في الميدان السوري، لتكون هناك تفاصيل إضافية عابرة لضرورة تثبيت هوية المنطقة والإقليم بالحدّ الأدنى، وهذا في حقيقة الأمر ما يقلق «إسرائيل» لأنّ حجم الاهتمام كان أعمق وما هو أبعد من ذلك يجمع كلا الحلف في مواجهة الحلف الأميركي و»الإسرائيلي» معاً والذي بدأ ينكفئ، كما للمرحلة المقبلة ربما سنشهد جبهة عمل عملية مشتركة وقد تكون إيران ضمن هذة الجبهة التي تجمع جميع فصائل المقاومة التي تتشارك معاً في مشروع إزالة الكيان، وهذا لم يعد خافياً على أحد ربما.
الآن نحن نؤسس لمرحلة جديدة من العلاقات السورية الإيرانية التي لم تبرد لا في السلم ولا في الحرب، ورأينا متغيّرات جمّة مهمة وحساسة في فترة وجيزة قصيرة لم يصدّقها أحد بسبب تسارع التطورات تزامنت مع تنامي الدور الصيني في العالم مقابل تقلص الدور الأميركي في المنطقة، وهذا كانت له نتائج بالشكل والمضمون، إذ نستطيع القول بأنّ مرحلة التحدي الاقتصادي بدأ، وأنّ التعاون الإيراني المشترك مع سورية دائم وداعم في عملية إعادة الإعمار، وأنّ هذه الاتفاقيات التي وُقّعت ستكون لها منجزات واعدة تبشر بالانتصارات المتتالية وتعود بالخير والفائدة على الجماهير وعلى الأمة…
ولعلّ زيارة الرئيس الإيراني إلى دمشق تترجم بلغة الإثبات والمصالح المشتركة تحت مظلة رفقة السلاح والمنصة الجغرافية والاستراتيجية بأبعادها من خلال التصريحات التي استمعنا إليها من الرئيس الأسد والرئيس رئيسي والذي أكد أنّ سورية حققت الانتصار بعد اثني عشر عاماً، مشدّداً على أنّ إيران ستقف إلى جانب سورية في فترة الإعمار، كما أكد للأسد في زيارته التاريخية أنّ سورية انتصرت بجدارة، إذن رسائل متبادلة بعثت من كلا الرئيسين للإقليم وعلى البعض أن يترقب العنوان المقبل لهذة الشراكة التي تحمل في طياتها الكثير من المفاجآت على مستوى المحور الثابت في المنطقة والإقليم.