العودة الحميدة لسورية وزيارة رئيسي على طريق المقاومة…
} د. جمال زهران*
أصبح مؤكداً، أنّ سورية المقاومة، قد استعادت مقعدها في الجامعة العربية ومن أوسع الأبواب، أو فلنقل بدقة أنّ مقعد الجامعة الخالي، قد عاد إلى سورية (قلب العروبة النابض). فالإجراءات اللوجستية قد اتخذت، واتخذ القرار بالعودة والاستعادة، من مراكز القوى الفاعلة في النظام العربي، ويعود مع ذلك الزخم الجديد، والفيضان الضخم في الإقليم بسمات جديدة، بصعود قوى عربية إلى صدارة المشهد، وتراجع مراكز ونفوذ قوى أخرى، تحتاج إلى تحليل مستقل، بعد مؤتمر القمة العربي في السعودية في 19 مايو/ أيار 2023.
فمنذ اتفاق عودة العلاقات الإيرانية/ السعودية في منتصف آذار/ مارس الماضي، برعاية صينية، والخطوات تتسارع لإعادة هيكلة الإقليم، وأزماته، وتنظيم تفاعلاته، وسط هيجان صهيوني، وغضب أميركي، وتشجيع روسي، ودعم صيني بكلّ السبل، لنصبح أمام مشهد جديد غير مسبوق، ولم يكن يتوقعه سوى كبار المحللين، والذين يمتلكون قدرات عالية على استشراف المستقبل، وإعادة هندسة وهيكلة السياسات الخارجية، وإعادة تدشين حقبة جديدة لعلاقات دولية/ إقليمية، في ضوء المعطيات الجديدة.
إذن، نحن أمام مشهد جديد تتداعى فيه الأزمات وتتخلق وقائع جديدة، ويتمّ تفكيك الأزمات المستعصية على الحلّ قبل التوافق الإيراني/ السعودي، بعيداً عن الإرادة الأميركية والغربية، والمنشغلين بتطورات وتداعيات الحرب الروسية/ الأوكرانية. فالأزمة اليمنية دخلت دائرات الحلّ، والأزمة اللبنانية والشغور الرئاسي، دخلت دائرة الحلّ أيضاً، في إطار تفاهمات صامتة بين إيران والسعودية، برعاية صينية، وقبول ودعم روسي لما يحدث. إلا أنّ الملف الأهمّ الذي دخل مرحلة الحسم، فهو ملف الأزمة السورية. ولعلّ التلازم بين الاتفاق الإيراني السعودي، وبين انعقاد مؤتمر القمة العربية في السعودية، أدّى إلى التسارع نحو حلّ وتفكيك التشابكات في الأزمة السورية. فالميقات يفرض نفسه على كلّ الأطراف، بمبادرة إيرانية سعودية. ففي الوقت الذي ترتب فيه السعودية، لاستعادة وعودة سورية للجامعة، حيث اللقاء التساعي في جدة (دول الخليج الست + مصر والأردن والعراق)، والزيارات السعودية السورية المتبادلة على مستوى وزراء الخارجية، ولقاء الأردن الخماسي لوزراء خارجية مصر والسعودية وسورية والأردن والعراق، للترتيب لعودة سورية للجامعة، وأيضاً تصريحات الأمين العام للجامعة العربية (أحمد أبو الغيط)، بأنّ عودة سورية وشيكة، مؤكداً أنها ستحضر الاجتماع المقبل للقمة، فإنّ كلّ ذلك يصبّ بوضوح في حتمية «العودة والاستعادة»، لسورية، لمربع العمل العربي المشترك بلا شك.
وقد أضحى القرار بالعودة، حتمياً، وأنها مسألة أيام، حيث انعقد مؤتمر وزراء الخارجية العرب صباح يوم الأحد 7 مايو (أيار)، وقرروا بالإجماع عن فكّ تجميد عضوية سورية وعودتها لشغل مقعدها في الجامعة العربية، وهي الدولة المؤسّسة للجامعة!! ثم تجري الأمور في مساراتها، ليتغيّر شكل الإقليم وتفاعلاته.
في الوقت نفسه، انطلقت زيارة معلنة للرئيس الإيراني السيد إبراهيم رئيسي، لسورية لمدة ثلاثة أيام كاملة، وسط استقبال شعبي كبير سواء عند الوصول أو عند المغادرة، أو في أماكن الزيارة لـ آل البيت في دمشق خاصة السيدة زينب، وهي تُعدّ دعماً مطلقاً بلا سقف أو قيود أو حدود، لسورية، رئيساً وجيشاً وشعباً، وهو بمثابة كسر للحصار الأميركي ـ علناً ـ ضدّ سورية وإيران معاً، الواقعين تحت الحصار الظالم غير الإنساني. الأمر الذي دعا فيها الأمين العام للأمم المتحدة ومكتبه، للإعلان والتصريح بعد هذه الزيارة، إلى أنّ الحصار على الدولتين، أضحى خارج الزمن، ولم يعُد هناك مبرّر لاستمراره.
وختاماً: أقول إنّ سورية تستعيد دورها ومكانتها، على خلفية خيار المقاومة ضد الكيان الصهيوني، والتطبيع، ومع القضية الفلسطينية وتحريرها بالمقاومة. ولعل كلمات الرئيسين بشار الأسد وإبراهيم رئيسي، في لقاءاتهما ما يؤكد ذلك. وكما أنّ المقاومة هي السبيل لاستعادة سورية في قلب العمل العربي المشترك، فإنّ السعودية دخلت مربع التحدي للولايات المتحدة والغرب، ولهذه نتائجه السلبية في ما بعد، ولكن ليتأكد للسعودية، أنّ الغطاء العربي، وسبيل المقاومة، هما الحاميان لها في الفترة المقبلة إذا أرادت وأصرّت على تحدي أميركا…
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمع العالمي لدعم خيار المقاومة