بعيدا عن الفرح أو الغضب… حقائق في استعادة سورية لمقعدها
ناصر قنديل
– سقطت محاولات التشويش على المعاني السياسية لاستعادة سورية لمقعدها في الجامعة العربية، ومحاولة تصوير ذلك إعلامياً عملية رضوخ سوري لشروط وضعت عليها، مع الموقف الأميركي الواضح باعتبار هذه الاستعادة خطوة خاطئة ورفض المبرّرات التي يقدمها الجانب العربي الذي تحمل قرار الجامعة العربية بقيادة سعودية واضحة، ولم ينفع الإعلان الأميركي عن زيارة مستشار الأمن القومي جايك سوليفان الى الرياض، لتأجيل البتّ بهذا القرار بانتظار المحادثات السعودية الأميركية، ولا نجح تحفظ بعض الحكومات العربية في إخضاع هذا القرار للمزيد من التأجيل، حتى باتت استعادة سورية لمقعدها العربي صفعة جديدة للسياسة الأميركية تعادل صفعة الاتفاق السعودي الإيراني برعاية صينية، وثبت أن اجتماع عمان وما خرج عنه كان الإطار المتفق عليه بحفظ ماء وجه المترددين الذين شاركوا في الاجتماع، والمتحفظين الذين كانوا خارجه، ومحاولة لتقديم مخرج لائق لواشنطن للانضمام الى المسار الجديد في العلاقة مع سورية، وجوهره، انسحاب القوات الأجنبية غير المشروعة، والمقصود قوات الاحتلال الأميركي والتركي، ومكافحة الإرهاب والمقصود تنظيمي القاعدة وداعش، وبسط سيطرة الدولة السورية على كامل أراضيها، والمقصود إنهاء الكانتونات التقسيمية شمال غرب وشمال شرق سورية؛ أما الحل السياسي فمعلوم أن لا قوى سياسية سورية معارضة تشكل موازين قوى حقيقية يفرضها شريكاً في العملية السياسية المرجوة، وأن المسيطر عسكرياً في المناطق المسماة مناطق المعارضة هي قوات الاحتلال الأميركي والتركي والجماعات الإرهابية التي تستظل بهما، وأن سقف ما يجري وما يمكن أن يجري هو إيجاد مخارج تدمج بالعملية السياسية بعض الرموز السياسية المحسوبة على الدول الإقليمية التي انخرطت في الحرب وتتموضع على ضفاف السلام، ولكن تحت سقف محورية دور الرئيس بشار الأسد في المؤسسات الدستورية، ومحورية الجيش السوري أمنياً وعسكرياً، والاحتكام في أحجام القوى السياسية للانتخابات تحت هذين السقفين.
– السوريون ومحبّو سورية يحتفلون بما يعتبرونه نصراً، لأن ما يجري يمثل ذروة العودة العكسية عن المسار الذي كان السطو على مقعد سورية في الجامعة العربية علامة على ذروة تقدّمه وتقدّم الحلف المعادي لسورية، بقيادة أميركية حشدت أكثر من مئة دولة تحت رايتها، وذروة تقدم الحرب على سورية عسكرياً عبر انخراط عشرات آلاف الإرهابيين الذين تمّ تجميعهم من أنحاء العالم، وقدّم لهم الدعم اللوجستي عبر الحدود من دول الجوار، حيث كانت غرفة العمليات الإعلامية في بيروت، وكانت غرفتان عسكريتان يديرهما الأميركيون في كل من الأردن وتركيا، تحت مسمّى غرفة الموك وغرفة اضنة، والمسار العكسي الذي بدأ منذ معركة تحرير حلب وتدحرج بانتصارات عسكرية لصالح الجيش السوري بمساندة من حلفائه وفي مقدمتهم قوى المقاومة وإيران وروسيا، وما تبعه من تموضع سياسي تفكك معه حلف الحرب على سورية، وتراجعت في ظله مكانة وقدرة الجماعات الإرهابية وما يسمى بقوى المعارضة، ومعها المخاطر التي أحاطت بسورية. وهذه الحقائق لم تنجح العقوبات الأميركية بتغييرها، حتى جاءت التحولات السعودية الكبرى، التي بدأت بفصل الدولة السعودية عن الثقافة الوهابية منذ سنتين، وتلاها القرار السعودي برفض الاستجابة لطلبات الرئيس الأميركي جو بايدن قبل شهور، بالانخراط في العقوبات على روسيا، وزيادة إنتاج النفط وتسريع مسار التطبيع مع كيان الاحتلال، بعدما كانت واشنطن عام 2019 قد نكثت بوعودها للرياض بحماية العمق السعودي من تداعيات الحرب في اليمن، إثر ما شهدته شركة آرامكو من استهداف خريف العام 2019، وجاء الاتفاق السعودي الإيراني برعاية صينية تعبيراً عن نضج مسار استقلالي قررت السعودية المضي به، بكل مندرجاته، فأنشأت تحالفات اقتصادية وسياسية وأمنية مع روسيا والصين، وكانت زيارة الرئيس الصيني والقمم التي رافقتها تعبيراً موازياً للتعاون المتعدد الوجوه مع روسيا، وصولاً للاتفاق مع ايران، وإعلان إغلاق باب الاستثمار على الفتنة السنية الشيعية أمام خصوم إيران وفي مقدمتهم واشنطن وتل أبيب، ولاحقاً صدرت الفتوى التي تعتبر الدعوة الإبراهيمية التي نتجت عن مسار التطبيع هرطقة وارتداداً وكفراً، فكان الانفتاح على سورية الذي توجته استعادة مقعدها في الجماعة العربية، تعبيراً عن تموضع سعودي في قضايا المنطقة بعيداً عن السياسات الأميركية، والأهم بصورة غير مرضية للأحلام والتطلعات الإسرائيلية، كانت إحدى علاماتها المعبرة استقبال رئيس حركة حماس في الرياض.
– أعداء سورية ينتحبون ويلطمون، وهذا أكثر ما يمكنهم فعله، وقد فقدوا قدرة الفعل، تعبيراً عن الصفعة القاسية التي تعلن عملياً نهاية الحرب على سورية، بمقدار ما كان إعلان السطو على مقعد سورية إعلان حرب، ويكفي لفت الانتباه إلى أن تقرير الأمن القومي الاستراتيجي الإسرائيلي للعام 2023، يتحدّث عن أن بيضة القبان في السعي لإخراج إيران من سورية هو الدور السعودي الذي يشكل مصلحة سورية اقتصادية حيوية في ظل العقوبات الأميركية الخانقة، والذي يشترط خروج إيران لإعادة العلاقات مع سورية، فإذا بالاتفاق السعودي الإيراني يمثل الصفعة الأولى، واستعادة سورية لمقعدها العربي بمسعى سعودي واضح، على مسافة يومين من زيارة متوهجة للرئيس الإيراني الى سورية، فتلتقي ثلاث ضربات على الراس الإسرائيلي، وقد قيل إن ضربتين تكفيان للتسبّب بالعمى.