كيف نقرأ كلام باسيل الأخير؟
في السياسة ابتعد رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل عن خطابه التقليدي منذ الافتراق مع حزب الله حول ترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية، والتنقيب عن كلمات في حواره الأخير تؤكد هذه الحقيقة لا يقدم ولا يؤخر في ما يفترض أن تقوم به القراءة المطلوبة، لأن المطلوب معرفته هو بالضبط الى أي مدى ابتعد باسيل عن مضامين تفاهمه مع حزب الله بسبب الخلاف الرئاسيّ؟
الأسئلة الرئيسيّة التي يجب أن تجيب عليها القراءة، ليست حول مبدأ وجود مسافة في القراءة للأولويات الرئاسية، وطبيعة هذه المسافة، أو اللغة التي يتصف بها خطاب باسيل في التعبير عنها. والأسئلة هي هل باسيل مستعد للذهاب في سعيه لمرشح غير فرنجية لقبول اسم مناوئ للمقاومة ومستفز لها؟ والسؤال الثاني هو هل نظرة باسيل وتعبيره عن نظرته، في مسألة حضور المقاومة وقوتها ودورها في حماية لبنان أصابها التغيير، وانعكست على معاييره الرئاسية؟ والسؤال الثالث هو هل قرأ باسيل التطورات الجارية في المنطقة كعامل تعديل في المقاربة للملف الرئاسي لجهة وجود فرصة لتحويل الانتخاب إلى مناسبة للنهوض يستفيد خلاله لبنان من الانفراجات التي تتنامى وتتصاعد في المنطقة وينال منها محور المقاومة النصيب الرئيسي؟ والسؤال الرابع هل باسيل متفائل بفرص التوصل الى مرشح توافقي؟ وهل يغلق الطريق على إمكانية التفاهم مجدداً على ترشيح فرنجية من ضمن مفهوم الاتفاق على المشروع؟ وما هي البنود التي ينتظر ضمانات حولها؟
إذا جردنا كلام باسيل مما هو متوقع ولا يشكل مفاجأة في التذكير بعناصر الافتراق في النظر للأولويات الرئاسية عن حزب الله، فيفترض تسجيل حقيقة أن اللغة التي استخدمها باسيل في التعبير عن هذا الابتعاد كانت لغة صديق لا خصم، يغلب عليها التفهم والدعوة لتفهم مقابل، فلا تعبيرات تتسم بالغضب والتلويح بالافتراق الاستراتيجي، وليس خافياً من الكلام المكرّر خلال الحوار أن إحدى عقد التوصل الى اسم يواجه فرنجية هي تمسّك باسيل بأن لا يكون خصماً للمقاومة أو مصدر قلق لها، واعلان نيته إذا لم يتم التوافق الرئاسي ألا يكون ضمن المعارضة العدائية التي يبشر بها الآخرون وصولاً للمقاطعة الكاملة والتلويح بالمواجهة، وشرح موقفه الداعي لمرشح يشعر الفريق المسيحي بأنه شارك في إنتاجه، ويشعر المقاومة بالاطمئنان، وقوله إن هذا المسعى لم ينجح ولا يبدو أن أمامه فرص النجاح، فلا حلف المقاومة والممانعة مستعدّ للبحث بغير فرنجية مرشحاً، ولا حلف المواجهة، كما أسماه، مستعدّ للبحث بمرشح يطمئن المقاومة، وأن هذا الاستقطاب يجعل مهمة التوافق صعبة ومعقدة، وربما مستحيلة، مستبعداً مع المتغيرات الحاصلة في المنطقة أن تنتعش فرص التوصل إلى التوافق على مثل هذا المرشح.
بدا باسيل خلال الحوار متمسكاً بالثوابت الاستراتيجية التي طبعت خطاب التيار الوطني الحر خلال السنوات الماضية، سواء في لغة التعبير عن دور المقاومة وموقعها في ردع الاعتداءات وحماية البلد، أو في لغة التحدّث عن سورية ورئيسها، وتشجيعه للتفاهم معه وثقته بفرص هذا التفاهم في ملفات عديدة، مثل ملف النزوح وملف الترسيم وملف إعادة إعمار سورية ودور اللبنانيين فيه، أو في تأكيد رفضه لخطاب التقسيم والفدرالية وسعيه لتمييز اللامركزية الموسعة الإدارية والمالية التي يسعى إليها عن أي مسعى تقسيمي وفدرالي مرفوض، وصولاً الى التأكيد على أن الافتراق في الخيار الرئاسي على أهميته لا يعني الافتراق في بنود التفاهم وثوابته، وتوج كل ذلك بالتحدث عن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله والحوار معه، بلغة دافئة ومحترمة، وصولاً للتحدث عن لقائه برئيس مجلس النواب نبيه بري ومضمون الموقف من العلاقة معه بلغة لا تشبه ما سبق لباسيل أن تحدث به من قبل، حيث بدا أن الحرص وروح المسؤولية الحاضر الأهم.
ظهر باسيل متابعاً لما يجري في المنطقة، مدركاً أن التغييرات تشمل لبنان، وأن على لبنان ملاقاتها، وأن ثمة فرصاً للنهوض الإيجابي تتيحها هذه التغييرات، وأن جوهر هذه التحولات يجعل محور المقاومة أقوى، مستبشراً بهذه التحولات، رغم المسافة التي باتت تفصل التيار عن حليفه القديم حزب الله الذي يقف في قلب المحور المنتصر، فيما يذهب خصوم المقاومة إلى التبخيس من هذه التحولات، وصولاً الى قيام بعضهم بتقديم قراءة معاكسة فقط للكيد والمناكفة.
أبقى باسيل الباب مفتوحاً أمام فرضية التوصل إلى توافق على اسم يطمئن الحزبين المسيحيين الكبيرين المعارضين لترشيح فرنجية، ويطمئن المقاومة إلى أن المرشح التوافقي ليس خصماً ولا مصدر قلق، لكنه لم يخف قناعته بحجم صعوبة وتعقيد هذا الخيار، فاتحاً الباب لخيار بديل هو التغاضي عن اسم المرشح، أي القبول بتمرير انتخاب فرنجية، من ضمن معادلة سابقة قام برسمها، عنوانها المشروع، الذي تتفق عليه الكتل النيابية التي سوف تنتخب الرئيس. والمقصود هنا حزب الله وضمانة أمينه العام كشرط لتشكيل هذا التحالف النيابي، على برنامج ببنود يجري تثبيتها كبرنامج للحكومة الأولى في العهد، ويتضمن هذا البرنامج، الإصلاحات السياسية المنصوص عليها في اتفاق الطائف، وفي مقدّمتها اللامركزية ومجلس الشيوخ، ما يعني الاستعداد للسير بمجلس نيابي خارج القيد الطائفي بالتزامن مع مجلس الشيوخ، وإصلاحات اقتصادية في مقدمتها الصندوق الائتماني الذي يضمن الاستثمار في تطوير عائد الدولة الاقتصادي بالشراكة مع القطاع الخاص دون المساس بملكية الدولة لمؤسساتها، وسائر بنود الإصلاحات المعلومة، خصوصاً في القطاع المصرفي.
الأهم هو هل يقرأ حزب الله في كلام باسيل مقدّمات لبدء حوار ثنائيّ حول الفرصة التي يفتحها كلام باسيل عن إمكانية الاتفاق على المشروع بما يسقط التحفظ على اسم المرشح سليمان فرنجية؟
التعليق السياسي