تعميق التحالفات السورية الإيرانية وانعكاسها على المنطقة
} د. حسن مرهج
في صلب العلاقات بمستوياتها الإقليمية والدولية، ثمة مفاصل مهمة، قد تتجاوز أبعادها حدود الجغرافية السياسية، لتصل الى علاقات جيو استراتيجية، وتشكل نموذجاً مختلفاً ومغايراً لطبيعة أيّ علاقة دولية، وحين نتحدّث عن العلاقات الإيرانية السورية، نكون أمام نموذج مغاير في طبيعة العلاقات الإقليمية. هو نموذج تخطى الحدود والجغرافيا السياسية، وفي بعد آخر، فإنّ طبيعة العلاقات الإيرانية السورية بتحالفها الاستراتيجي، شكلت نقطة التقاء للكثير من المعادلات الإقليمية بأوْجهها السياسية والعسكرية والإقتصادية، والأهمّ من ذلك، أنّ هذه العلاقات بأوجهها المتعدّدة، كانت بمثابة المعادلة الثابتة التي لا تؤطرها تجاذبات سياسية شرق أوسطية، بل تكاد تكون هذه العلاقات المثال والنموذج في التأسيس لنظام اقليمي، لا يتأثر بسياسات الغرب، ويبقى بعيداً في تحالفه عن أيّ حالة من حالات الكباش الإقليمي، المؤطر برغبات واستراتيجيات أميركية وغريبة.
في الواقع، وربطاً بما سبق، يمكن وسريعاً استقراء نتائج زيارة السيد ابراهيم رئيسي إلى سورية، والتي وُصفت بأنها زيارة استثنائية ضمن مناخ استراتيجي إقليمي غاية في الأهمية، وكان لافتاً تصريح السيد رئيسي، بعد وصوله الى طهران، ومنهياً زيارته الى سورية، حين قال: زيارتي إلى سورية شكّلت نقطة تحوّل نحو تعزيز العلاقات الأمنية والسياسية والاقتصادية بيننا، مضيفاً أنّ شعوب المنطقة مؤمنة بأنّ إيران عمود صلب يمكن الوثوق به والاعتماد عليه.
واقع الأمر يؤكد، بأننا أمام مرحلة إقليمية جديدة، عناونها الأبرز سورية وإيران، وكذلك نحن أمام معادلة إقليمية جديدة، حيكت بعناية عبر تفعيل منطق التحالفات الجيو استراتيجية بين دمشق وطهران، الأمر الذي سيكون وسيشكل في مضامينه، انطلاقة إقليمية تتجاوز في أبعادها العلاقات الإيرانية السورية، لتصل الى عموم دول المنطقة، وهذا لا يعدّ ضرباً من الخيال، أو تحليلاً في إطار الأمنيات، بل ثمة وقائع لا يمكن تجاوزها تتعلق بمفهوم شرق أوسطي جديد، أسّس له بعد صمود سورية في الحرب التي شنت عليها، إضافة الى قدرة إيران على تطويع الضغوط الدولية، وتوظيفها استثماراً في هندسة علاقات إقليمية ودولية جديدة، عنوانها الأبرز احترام سيادة الدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وانطلاقاً من ذلك، وربطاً بزيارة السيد رئيسي إلى دمشق، ولقائه الرئيس السوري بشار الأسد، نكون أمام مرحلة إقليمية فاعلة ومؤثرة، بقيادة دمشق وطهران.
في العلاقات الإيرانية السورية، لا يمكن تأطير هذه العلاقات ضمن منظور «قبل أو بعد» أيّ زيارة أو لقاء، لأنّ العمق الإقليمي لهذه العلاقات، يُقاس وفق المنظور الاستراتيجي، بمعنى رصد تطوّر هذه العلاقات وتعميقها في مختلف المجالات، لا سيما أنّ زيارة السيد رئيسي إلى دمشق، كانت بمثابة تعزيز التحالف مع سورية، ووضع قوانين جديدة في طبيعة النظام الإقليمي، ولا ننسى لقاء السيد رئيسي في دمشق، مع قادة فصائل محور المقاومة، الأمر الذي شكّل بمضامينه، رسالة الى «إسرائيل» والولايات المتحدة، مفادها نحن هنا حاضرون في دمشق المقاومة، ونفتتح مرحلة جديدة بعناوين سياسية واقتصادية، والأهمّ أنّ التحالف المقاوم، ينمو ويكبر ويتعمّق.
لقاءات الرئيس رئيسي في دمشق، لم تقتصر على الجانب السياسي فحسب، بل كانت هناك لقاءات اقتصادية، الأمر الذي يمكن وضعه في إطار تعزيز صمود شعوب المقاومة، والذي سيشكل معادلات اقتصادية تعزز واقع دول المحور، ولا نجافي الحقيقة إنْ قلنا، بأنّ قدرة إيران على ابتكار معادلات اقتصادية تلتف على العقوبات الأميركية، وكذلك قدرة سورية على إدارة أزمتها الاقتصادية، جراء حرب السنوات السابقة، وجراء العقوبات الأميركية وسياسة الضغوط القصوى التي مورست أميركياً وغربباً، وبالجمع بين الجانبين، نكون أمام واقع اقتصادي مقبل، وهو قادر على تعزيز العناوين الاقتصادية في سوريا وايران وعموم دول المنطقة.
ختاماً، قد لا نستطيع الإحاطة بمجمل عناوين زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى سورية، لكن نستطيع كباحثين ومحللين، أن نستقرئ مبكراً نتائج هذه الزيارة وانعكساتها على عموم دول المنطقة، لنكون أمام واقع جديد، في السياسية تعميق وتعزيز التحالف السوري الإيراني، ورفده بمقومات الإنتصار في المستويات كافة، وفي الاقتصاد هندسة معادلات اقتصادية تكون عاملاً مؤثراً في الاقتصاد الاقليمي، وعامل جذب لحلفاء سورية وإيران، ومساعداً لروسيا والصين في اختراق العقوبات الأميركية، والأهمّ من ذلك، أهلاً بكم في شرق أوسط جديد، عنوانه سورية وإيران…