لعبة الأمم والمصالح الخارجية لا تكثرث بالميثاقية والصيغة اللبنانية
} خضر رسلان
يكتنف الغموض الأجواء في الساحة الداخلية، رغم الحديث أنّ ما جرى ويجري في الخارج بدأت شذراته وانْ كانت ببطء تتسلّل الى بعض القوى المؤثرة ويمكن لها ان تؤدِّي الى تحقيق الخرق الذي يساهم في حلّ للمعضلات اللبنانية وتحديداً منها الاستحقاق الرئاسي.
من هنا، فإنّ المشكلة الجوهرية التي تعاني منها بعض القوى النافذة في لبنان عدم قراءتها للواقع من منظار تاريخي الذي يحوي في طياته وثائق وقرائن تثبت انّ أصل نشأة الكيان اللبناني ومن ثم أغلب المشاريع والأحداث التي عصفت ولا تزال تعصف فيه إنما هي نتاج تجاذبات خارجية منها ما هو إغراءات وأكثرها إملاءات، واللافت فيها انّ معظمها لا يأخذ في عين الاعتبار ما تعارف عليها بالصيغة او التوازن الطائفي إنما هي تخضع لمصالح الدول النافذة وابرز هذه المحطات:
1 ـ عام 1920 أعلنت دولة الانتداب الفرنسية بلسان الجنرال غورو قيام دولة لبنان الكبير زاعمة أنها تريد بهذا الانتداب تدريب اللبنانيين على حُكم أنفسهم بأنفسهم من دون وصايةٍ خارجية، فيما أنهم في الواقع نجحوا في تكريس الانتماء الطائفي وتعزيز الوصايات الخارجية وزرع قادة ساهموا خلال قرنٍ في إفلاس لبنان في الاقتصاد والسياسة والإدارة.
السردية التاريخية الموضوعية لأسباب نشوء دولة لبنان الكبير لم تكن داخلية لبنانية ولا لرغبة رجل دين تباهى بالمجد او نتيجة لعطف دولة تنعت بالأمّ الحنون، إنما هي قضية امتداد لحدود النفوذ الفرنسي والنفوذ البريطاني، وبالتالي يكمن في إطار لعبة المصالح الدولية التي وضعت الخرائط واقتسمت مناطق النفوذ ومن ثم مهّدت الأرضية المناسبة لقيام الكيان الغاصب في فلسطين المحتلة وسط كيانات مصطنعة تكرّست لأجل هذا الغرض.
2 ـ لم يكن لترسيم الحدود وسلخ القرى اللبنانية السبع من الجغرافيا اللبنانية أسباب طائفية أو مذهبية أو داخلية بل نتيجة لإملاءات ومصالح دولة الاحتلال المدعومة من فرنسا وبريطانيا.
3 ـ لم يكن التدخّل المباشر للقوات الأميركية في لبنان في عهد الرئيس كميل شمعون وتحديداً عام 1958 لحماية الصيغة او الرئيس الماروني إنما لمواجهة ما أسمته «خطر تمدّد حركات التحرر الوطني على المنطقة، عبر حلف بغداد الذي شكّلته عام 1955 لهذا الهدف.
4 ـ مشاريع غربية لتفتيت الكيان والصيغة تمحورت وفق التالي:
ـ اختطاف الإمام موسى الصدر عام 1978 الذي كان سداً منيعاً في وجه مشروع توطين الفلسطينين الذي ينسف التوازن الطائفي اللبناني.
ـ إلغاء حق العودة الذي تزامن مع عدوان تموز 2006 والذي كان من أهدافه تغيير الوجه الديمغرافي للكيان اللبناني.
ـ المشروع التكفيري المدعوم أميركياً وغربياً والذي كان يهدف الى إلغاء الكيانات الوطنية فضلاً عن إبادة الفرق والنحل والمذاهب والطوائف بشكل عام.
ـ دمج النازحين السوريين ومنع عودتهم الى وطنهم في محاولة جديدة لضرب الكيان والصيغة اللبنانية.
ـ العروض السخية التي تمّ تقديمها الى المقاومة اللبنانية ومن ضمنها إغراءات لها علاقة في تغيير شكل الصيغة الطائفية الحالية في لبنان مقابل عدم مساندة فلسطين وأهلها.
بالاستناد الى ما ذكر أعلاه فإنّ الذي يستهدف ولا يزال تغيير الصيغة اللبنانية ولا يكثرث لها هي الدول التي لا تمانع في سبيل ضمان تدفق النفط والغاز وتأمين مصالحها ان تضع على المشرحة كلّ ما له علاقة بمصطلحات الميثاقية والتوازن والحقوق.
بناء عليه فإنّ الاستفادة من التفاهمات الإقليمية وتعزيز الشراكة الوطنية البعيدة عن الشخصانية والأفق الضيق هما السبيل الوحيد لبناء وطن قوي ليس برؤسائه بل بشعبه الذي يستطيع بتوحده ان يمنع مشاريع التوطين والدمج والهيمنة الخارجية.