دبوس
حوارية الصواريخ…
المشهد الذي يلخص مآلات هذا الصراع، وإلى أين ستفضي هذه الحوارية بالصواريخ، هو الانكشاف النفسي، والخواء المعنوي الذي صبغ ردود فعل المجمل الإنساني لهذا الكيان المصطنع، والهلع والذعر إزاء الشعور بالخطر، وعدم المقدرة على الانسجام مع حالة الهلاك الذي قد يطرأ في أية لحظة، وفي مقابل ذلك، أطفال القطاع خرجوا يكبّرون كردّ فعل على اندلاع هذه الدورة الأخيرة من القتال، غير آبهين بأيّ تبعات بسبب هذا التراشق الناري…
إنسانان يقفان على طرفي نقيض في الحيثية التي تصبغ ردّ الفعل في مواجهة خطر الموت، المعضلة التي تواجه هذا الإنسان المأزوم، أنه أحضر بدعوى مغرقة في زيفها وفي تشويهها للحقّ وللحقيقة، فهو آتٍ، هكذا تمّ إقناعه، إلى أرض بلا شعب وعده الله بها، وهي في حالة انتظار لمجيئه المقدّس، لم يسائل هذا الانسان المأفون ذاته، أيّ رب هو هذا الرب الذي يعد مجاميع من الناس حضروا من كلّ بقاع الأرض بلا جامع من تراث أو تاريخ أو تناغم عرقي، أو توافق اجتماعي، أو انسجام بيئي، ليقيموا مسخاً إنسانياً على حساب شعب آخر متناسق، قائم بذاته، متصف بالتوافق والتمازج الاجتماعي والعرقي والديني والتاريخي والقيمي على مدى آلاف السنين…
كيف يرتكب هذا الرب المدّعى حالة من الغبن والظلم تنهدّ لها الجبال، وتنخسف لها الأرض، أتى على أساس أنها أرض بلا شعب، فوجدها أرضاً مفعمة بالناس، وتنضح حياة وحضارة ورسوخاً، أتى موعوداً باللبن والعسل، فلم يجد سوى الرفض والإدانة والإنكار، فلم يجد لتعزيز حالة النكران التي انبثقت عن وجوده الكريه القاتل، سوى التوحّش والمزيد من التوحش والانتهاك المطلق لكلّ ما هو إنساني، وطفق يرتكب كلّ موبقات الأرض للمحافظة على حالة ووجود لا يمتلك ذرة من مقومات الاستمرار…
حينما كنا صغاراً في المدارس، كنا، إذا ما طرأ على ذهننا الرغبة في الغياب، ندّعي المرض بالزكام كيما نبقى في البيت، فلا يمضي يومان أو أسبوع من الزمان حتى نصاب فعلاً بالزكام، فنرقد بالفراش مرضى…!
قتلة الأنبياء والأطفال ادّعوا بأنّ الألمان قتلوا منهم ستة ملايين إنسان حتى يستدرجوا تعاطف الغرب معهم، ويبدو أنهم، وكما كنا ندّعي الإصابة بالزكام، ستصبح هذه الكذبة حقيقة، وسيصيبهم ما ادّعوه من شدة إجرامهم ومن شدة خروجهم على النسق الإنساني.
سميح التايه