أخيرة

عُهرية وطن

‭}‬ عُلا خليفة
وطنٌ يلتفّ بوشاح أسود، تختنق به الأعماق، تتدحرج خيوطه داخل شرايين قلبه الدقيقة فتصبغ دمه بسواد كسواد الوشاح… إنّه ذلك المواطن، مواطن ذابل الكرامة، والتعب يأخذه في طريق الحزن، حزن الأيّام ومرارة المعيشة.
ليس ذلك مبالغة في السّواد والشعور بخيبة الأمل والضّيم، بل إنّه سرد لمظاهر صورة متكرّرة تعجز اللغة عن وصفها بأدواتها العتيّة، فاللغة كلّت، وحروفها ملّت، والإنسان ماضٍ في ظلمه للوطن وإنسانية الإنسان داخل هذا الفضاء الجغرافي الجميل المنهك.
يستفيق هذا المواطن في كلّ ثانية على خطاب أو رسالة تبعث الأمل في حاضره بالرغم من أنّ داخل قلبه عين تنزف قبل العين دموعاً، يحاول أن يبقي عيونه صامدة كسنديانة صلبة تحاول إبقاء جذورها في الأرضٍ في وطن تُباع وتستباح أراضيه وكرامة مواطنيه.
كيف السبيل إلى عودته آمنا متوازناً نفساً وجسداً؟ فهو ضعيف لا جيش معه ولا أهل، فكلّ ما يملك رشة أملٍ لأرض احتلها الرياء تحتضنه مجموعة من ذكريات العز والكبرياء. خنقه الوطن، وطموحه بقي تحت ركام الذلّ والهوان حتى صار خط الفقر مطمحاً وحلماً. كلّ هاجسه تأمين ثمن ربطة خبز وبعض من اللحم أو الدجاج.
مثله كمثل نعامة تخاف أن ترفع رأسها فيُكسر بالعصا، دون صوتٍ يصدر منه، قرّر أن يخرس مؤقتاً وبقي فَقره قاعدة يتكئ عليها، يتصارع بين ماضٍ وحاضرٍ، بين رغبة في التمرّد المتناقض وبين الالتزام بالمبادئ، في زمن تغيّرت فيه العقائد والأخلاق، تحوّلت فيه قلة الضمير إلى صحوة، والمال إلى قوة، وصار الأمل استنكاراً، وتحوّل العلم إلى حكر على أصحاب السلطة وفرصة نادرة لأصحاب الصفوف الأمامية.
كما غدا الانتحار عادة فيها نصيب من الشهامة غاية الهروب من واقع الذلّ والإعراض عن المطالبة بالحفاظ على الكرامة المتبقية تحت غطاء عزة النفس ومداها الحرّ. كما صار اللواط حرّية فرديّة وحقّاً مشروعاً بقوانين تدعمه وحقوق أرساها أصحاب ربطات العنق تحت مجهر الحقوق الكونية والإنسان الكوني.
إنّها مشاهد وظواهر مفعمة بالانحلال والانفلات «المتحضّر»…
فمن المسيطر في ظلّ كلّ هذه الخطابات الجوفاء وصرخاتها الكاذبة؟
ومن المسؤول عن فساد الأمة واندثار الأحلام؟
ومتى سينحسر الفقر المدقع في الفكر والوجدان؟
ومن يدفع ثمن الكرامة المبتذلة ومن يشتري أحلام الشباب التي أصبحت مبرمجة ومنمّطة؟
في ظلّ هذه التساؤلات… عاصفة تجعلك تنسى كلّ ما تعرفه عن الانتماء الوطني والولاء لأرضه تحت شعار الجوع والإهانة والإستكانة .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى