هل ينتقل التيار وجنبلاط إلى أولوية إسقاط فرنجية؟
يجري التداول بالبحث عن مرشح توافقي يمكن التوصل إلى تبنيه بين الكتل النيابية التي ترفض المرشح المدعوم من ثنائي حركة أمل وحزب الله، ويبدو واضحاً أن المقصود ليس القوى والكتل النيابية المصنّفة مناوئة للثنائي على قاعدة خيارات ثابتة.
المعنيّ الأول هنا هو التيار الوطني الحر الحليف القديم لحزب الله الذي كان يتمسك بالاعتراض على ترشيح فرنجية، لكنّه يتمسك بأمرين، الأول السعي لمرشح توافقي جامع لا يكون حزب الله وحركة أمل خارج التوافق حوله، وفي حال عدم التوصل إلى هذا التوافق الذهاب الى البحث عن الاتفاق على مشروع مشترك يكون الثنائي ضمنه يتجاوز التيار لأجله التحفظ على ترشيح فرنجية، وفي حال عدم النجاح الذهاب إلى ترشيح رئيس التيار لحفظ حق الترشح وتثبيت الخصوصية المسيحية؛ والأمر الثاني كان رفض التيار تحويل الخلاف الرئاسي الى سبب للافتراق الاستراتيجي مع حزب الله، خصوصاً بقبول تسهيل وصول رئيس يشكل انتخابه إضعافاً لمكانة المقاومة سياسياً ما سوف ينعكس حكماً على مكانتها كقوة ردع تحمي لبنان، وما يعرفه التيار وقيادته جيداً أن الذهاب الى تذليل التحفظات المتبادلة على بعض الأسماء بين الكتل المعترضة على ترشيح فرنجية، ليس مجرد لعبة ديمقراطية في بلد كلبنان، بل هو قرار بتحديد الهوية الإقليمية للبنان في المرحلة المقبلة، والهوية الإقليمية يرسمها شخص الرئيس تماماً كما كان الحال مع انتخاب العماد ميشال عون رئيساً، وفي حالة تسهيل انتخاب رئيس على قاعدة التصادم مع المقاومة وكسر خيارها، فإن الرسالة التي يحملها هذا الخيار هي أن المقاومة في لبنان لا تحظى بالتغطية السياسية العابرة للطوائف وأن إمكانية عزلها وحصارها سياسياً ممكنة، وأن الرهان على إضعافها وارد، ومعلوم أن المقاومة لن تسمح بذلك وهي سبق وتحملت مسؤولية تعطيل النصاب عندما دعمت ترشيح العماد عون ومستعدّة لفعل ذلك مجدداً، فهل يمكن للتيار الوطني الحر بلوغ هذه المرحلة التصادمية حول الخيارات الكبرى، في لحظة تذهب فيها المنطقة الى انتصارات كان التيار ضمن التحالف الذي أسس لها، وهل يمكن إقناع أحد بأن بناء الدولة سوف ينطلق، وأن الإصلاح سوف يكون عنوان المرحلة بالتوافق على مرشح مشترك مع القوات وحلفائها والاشتراكي وحلفائه وبقايا تيار المستقبل، لانتخاب رئيس يأتي بكسر إرادة المقاومة والثنائي، وأن المقاومة والثنائي هما رمز الفساد في الدولة، وكل الباقي حماة أسوار الإصلاح؟ على كل هذا هو خطاب القوات اللبنانية، وليس خطاب التيار، وعندما يذهب التيار الى خطاب القوات فهو يصبّ الماء في طاحونتها، وعليه أن يفسّر أسباب افتراقه عنها سابقاً ويعتذر عن الوقت الذي أضاعه في هذا الافتراق!
المعني الثاني هو الحزب التقدمي الاشتراكي الذي تربطه علاقة شراكة لم تنقطع مع حركة أمل ورئيسها رئيس مجلس النواب نبيه بري، رغم علاقة ربط النزاع المتحرّكة بينه وبين حزب الله، وقد سبق للاشتراكي أن ربط موقفه الرئاسي بشرط التوافق الجامع، طلباً لرئيس يستطيع الإقلاع بمهامه أمام حجم التحديات، وفي منطقة تتجه نحو الانفراجات والتفاهمات، هل يمثل أخذ لبنان نحو التصادم خياراً عقلانياً، وهل يمكن للعلاقة مع حركة أمل أن تستمرّ بثقة بعد التموضع تحت سقف الذهاب الى تحالف ليس انتخابياً، بل سياسي بامتياز، واستراتيجي بامتياز، اسمه شطب طائفة كاملة من المعادلة السياسية، وتجاوز المقاومة وتحديها، والقول إنه يمكن ليّ ذراعها، وتشجيع التمادي في مواجهتها، ومتى؟ عندما ينفتح الذين كانوا على خصومة معها ومع محورها على خيارات أقل ما يُقال فيها أنها تلاقي خيارات محور المقاومة، بالابتعاد عن المحور الأميركي؟
المنطق يقول إن ما يتمّ ترويجه عن تموضع قيد التحقق لكل من التيار والاشتراكي، كلام وتمنيات خصوم المقاومة، وترويج وتسويق سياسي وإعلامي مبنيّ على الرغبات لا على الوقائع، وأن أي عاقل لا يمكن أن يذهب الى تلبية الطلبات الأميركية، بينما السعودية وتركيا تذهبان إلى معاندتها، وإذا صحّ أن اللامنطق هو الذي يرسم المواقف، فهذا يعني أن المعركة الرئاسية تحوّلت الى معركة على الخيارات الاستراتيجية، وأن المقاومة والثنائي سوف يتحمّلان تبعات التمسك بترشيح فرنجية، بما في ذلك تعطيل النصاب، وتحمّل نتائج الفراغ الرئاسيّ الذي سيكون المرشح الوحيد الذي صوّت له الآخرون بذهابهم بعيداً!
التعليق السياسي