حكومة السوداني وحلول المرحلة الصعبة
} محمد حسن الساعدي
واجهت الحكومة العراقية برئاسة السيد السوداني كثيراً من العقبات، أهمّها كان تجاوز حالة الصراع داخل القوى السياسية من جهة، وحالة اللامقبولية التي أظهرتها بعض القوى السياسية أمام تشكيل الحكومة، ورفضها المشاركة فيها…
هذا سبب حالة عدم توازن بين القوى السياسية برمتها، لكن وعلى الرغم من هذا الصراع، إلا أنّ السوداني كان جاداً في حلّ المشاكل، وإنهاء حالة الاتكالية والرتابة في تسيير أمور الدولة.
السوداني بدأ خطواته نحو مكافحة الفساد، بصورة واقعية بعيداً عن الإيهام والشعارات، التي تركت مال الدولة، عبثاً بيد الفاسدين والسراق، فالمبالغ التي هرّبت، نقل أنها تقدّر بأكثر من 300 مليار دولار، بين تهريب وشراء عقارات وأسهم لشركات في الداخل والخارج، بل تعدّته إلى سرقة المال العام في وضح النهار، وبأساليب شيطانية وتحت غطاء القانون.
السوداني بدأ حرباً شاملة على كلّ أنواع الفساد، وسعى لتحييد المتنفذين عن أيّ تدخل بالشأن الاقتصادي او الأمني، إلى جانب انه استطاع نسبياً أن يستقلّ بقراراته المركزية، بعيداً عن أيّ تأثير حزبي من هنا أو هناك، معتمداً على وجوده في كافة مفاصل الحكومة، فهو تدرّج من منصب قائمقام، وأخذ يتولى المناصب العليا، حتى وصل إلى رئاسة الوزراء…
أهمّ ما يمكن أن يكون حلاً سريعاً لمشكلات العراق هو الملف الاقتصادي، حيث أنّ المؤشرات تبيّن وبصورة واضحة، أنّ الأمور كانت متجهة عام 2020 إلى الانهيار، وكان النظام والقوى السياسية، تعيش خطراً حقيقياً بفعل هذه الأزمة، وكانت هذه القوى تبحث عن حلول سريعة.. لكن وبعد تلاشي خطر الانهيار ارتفاع أسعار النفط، أعادت النخبة تبني السياسات المتبعة منذ 2003، وتخلت عن كلّ الأفكار التي تتعلق بتغيير النهج الاقتصادي .
الفرص التي أتاحها التدفق النقدي لرؤوس الأموال من الخارج، وتطوّر سوق الأوراق المالية، لم تكن كافية لإصلاح الهيكل الإداري للمال في العراق، بل كان ينبغي العمل على تنوع أبواب الاقتصاد لتتنوع الإيرادات، ولا نكتفي بالاعتماد على النفط، بل ينبغي الإسراع في إيجاد أبواب جديدة، لرفد الاقتصاد العراقي بإيرادات إضافية، من خلال أبواب استثمار في مجالات متعدّدة، أهمّها السياحة والتي يمكن ان تصبح نبضاً لإقتصاد العراق، ومن أهمّ العناصر الأساسية في إثراء ميزانية الدولة بمليارات الدولارات سنوياً.
الآن وبعد مرور أكثر من ستة أشهر، على تشكيل حكومة السيد السوداني، ينبغي الوقوف على أهمّ المعرقلات في إصلاح النظام الاقتصادي، وأهمّها ينبغي أن يكون التقويم الاقتصادي، متسقاً تماماً مع الإصلاح السياسي وبشكل لا ينفصل عنه، إذ لا يمكن إصلاح ملف بمعزل عن الآخر، كما أنّ من المهمّ جداً بناء الثقة الضرورية، بين الجمهور وهذه الطبقة السياسية، وبما يعزز قوتها في إجراء الإصلاحات الضرورية، على الهيكل الأساسي للدولة.
لا ينبغي الاعتماد كلياً على الارتفاع الطارئ لأسعار النفط العالمية، بل ينبغي الإسراع بوضع استراتيجية اقتصادية، تعتمد على إيجاد خزين جيد من المال والذهب.
لذلك ربما ستعود نفس المشاكل السابقة التي برزت في 2020، إذا ما أدركنا الموقف وعالجت الحكومة ملفها الاقتصادي بالتوازي مع السياسي، لذلك فإنّ الاقتصاد بوضعه الحالي غير مستدام، لأنّ الحكومة وقريباً ربما ستكافح لتوفير الرواتب، ناهيك عن الحفاظ على المستوى الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع، وعلى نطاق كافٍ لمنع أيّ اضطراب محتمل، وإعادة شحن للشارع العراقي مستقبلاً.