سفارة عوكر: العين على الحاكمية وليست على رئاسة الجمهورية
} خضر رسلان
أشار عدد من الباحثين والمتابعين الى مفارقة يجمع عليها عدد من مراكز الدراسات الأميركية المتخصصة في الشؤون الاستراتيجية ممن يستشرفون المستقبل وتصنّف خلاصاتهم بأنها شريكة في صنع القرارات الأميركية، هذه المفارقة هي أنّ الطابع الذي يغلب عليه في تقديراتهم للواقع في الفترة الأخيرة تغلب عليه علامات القلق والتوجس من قدرة الولايات المتحدة الأميركية في الحفاظ على موقعيتها الأحادية، بل انهم يذهبون الى أكثر من ذلك، الى الخشية من فقدانها القدرة في التأثير على عدد من القوى الإقليمية التي كانت تعتبر أنها تدور في فلكها وتحت جناحها.
استناداً الى ما سلف وفي قراءة للتطورات الأخيرة على المستوى الإقليمي فإنّ الشواهد تدلل على حدوث تبدّلات وتحوّلات لا تصبّ في مصلحة الولايات المتحدة الأميركية بل انها تؤسّس الى ولادة فضاء إقليمي متحرر من قبضتها ويمكن الاستدلال على ذلك في محطات ثلاث:
ـ الرعاية الصينية للتفاهم الإيراني السعودي:
لعلّ رعاية الصين للاتفاق السعودي ـ الإيراني، العنصر الأبرز والمتغيّر الذي يحمل في طياته دلالات تؤكد على تراجع الحضور الأميركي. وما الدخول الصيني في منطقة تعتبرها واشنطن ساحتها ومحظوراً على باقي الأطراف من تأدية أي دور فيها إلا ترجمة لهذا التراجع، لذلك لم تكن المفاجأة في التقارب بين الدولتين اللتين لهما النفوذ الواضح في المنطقة، واللتين تمتلكان أوراقاً مشتركة تؤهّلهما لتأدية أدوار مؤثرة في سياسات المنطقة، بل من تسلل الصين ذات القدرات الهائلة مدعومة من دولتين لديهما مقدرات كبيرة فضلاً عن زعامتهما لجناحي العالم الإسلامي، وهذا ما رفع درجة التوتر والقلق لدى أصحاب القرار في البيت الأبيض الذين يخشون مما هو أبعد من عدم القدرة على فرض السياسات التي ترسمها الإدارة الأميركية، بل الى اصطفافات جديدة تجسّد عملياً سقوط الأحادية القطبية.
ـ الإجماع العربي على عودة سورية:
تتعامل «أميركا» مع مجمل المتغيّرات الإقليمية والدولية المتسارعة بقلق شديد، لا سيما عودة سورية إلى الجامعة العربية واضطرار من يدورون في فلكها من دول مناهضة لسورية الى الانحناء والتصويت على عودتها التي ستساهم حتما في إخراج سورية من تداعيات حرب فُرضت عليها طوال سنوات مضت، وهذا ما يعزز تراجع النفوذ الأميركي المتوجّس من التغيير في طبيعة الأدوار الإقليمية لبعض الدول وان يكون ذلك على حساب الدور الوظيفي الذي كان يؤدّيه الصهاينة، ما يلقي بظلاله على مستقبل الكيان الإسرائيلي نفسه وقابلية استمراره في ظلّ المتغيّرات الجديدة.
ـ نجاح المقاومة في معركة ثأر الشهداء:
حاول الأميركيون ترميم العثرات المتكرّرة التي ترافقها سواء منها في أوكرانيا او نتيجة للتسلل الصيني الى الساحة الخليجية، وذلك من خلال التشجيع الأميركي للكيان الإسرائيلي على مهاجمة حركة الجهاد الإسلامي أملا في تحقيق إنجازات حاسمة تستعيد من خلالها أمرين: الدور الوظيفي الذي افتقدته والتوازنات الإقليمية لصالح الولايات المتحدة الأميركية. إلا أنّ مسار معركة ثأر الشهداء رغم التضحيات الجسام التي قدّمتها أثبتت الجهوزية العالية للمقاومة وقدرتها على تحقيق الإنجاز وهو الأمر الذي زاد من القلق الأميركي من تآكل نفوذه في المنطقة.
ـ الحاكم وقيصر عينا عوكر:
رغم انّ العين الأميركية المتجهة نحو أوكرانيا ساهمت في الركون على مضض اثر الرعاية الصينية للاتفاق الإيراني السعودي إلا أنّ ذلك لم ينسحب على الملفات الأخرى وهذا ما بدا واضحاً في الإصرار الأميركي في الإبقاء على العقوبات المعروفة بقانون قيصر على سورية رغم الانفتاح الإقليمي عليها، إضافة الى توسيع واستمرار العقوبات والحصار الاقتصادي على اللبنانيين رغم ترسيم الحدود بين لبنان وكيان الاحتلال الإسرائيلي.
هذا الأمر يجعل العين شاخصة على حاكمية المصرف المركزي التي كشفت فيها السفيرة الأميركية في بيروت، دوروثي شيا حقيقة عمل الحاكم معها الذي ينفذ سياسة بلادها لا سيما في الالتزام في مندرجات «قانون قيصر» أو في ما يتعلق بالعقوبات المفروضة على حزب الله والمقرّبين منه، وبالتالي فإنّ الأولوية ليست لتزكية رئيس للجمهورية او ايّ موقع آخر ثبتت التجربة وأموال فيلتمان عدم قدرتها على تغيير الوقائع وإنما المطلوب ضمان وجود حاكم يحترم «قانون قيصر» ويتابع ربط الاقتصاد المحلي بالسياسة الأميركية وهو ما سيسهّل السيطرة الى حدّ كبير على أغلب الواقع الاقتصادي أو السياسي أو الإعلامي.
خرائط جديدة ترسم في المنطقة وتفاهمات يتمّ إنجازها وفق معايير غير متوقعة ويأتي في طليعتها الاستفادة من حقول النفط والغاز التي تجعل من تشبيك المصالح الاقتصادية وامن الطاقة أولوية تتجاوز كلّ ما هو دونها، وتحتاج الى قادة ورجال يقتنصون الفرص وعلى قدر كبير من المسؤولية.