صفّقوا للأسد وقوفاً عند دخول قاعة القمة
ناصر قنديل
– لم يكن المسؤولون في الغرب يصدّقون أن مرحلة الحرب على سورية وتداعياتها قد بدأت بالأفول السياسي بعدما بدأ الأفول العسكري بعد سنوات، لأنهم لم يصدقوا أن السعودية كضابط إيقاع للنظام العربي الرسمي قد اتخذت قراراً بهذا الحجم بمعزل عن المواقف الغربية، بل وبعكسها تماماً، فكان الانتقال من التشكيك بإمكانية صدور قرار باستعادة سورية مقعدَها في الجامعة العربية، كما كان تقدير الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط قبل صدور القرار بأقلّ من أسبوعين، أن العودة آتية ولكن ليس قبل القمة، إلى السؤال حول حضور الرئيس السوري للقمة، كما فعل أبو الغيط نفسه وكل جماعات الغرب من العرب، خصوصاً في لبنان، وتحوّل الإعلام اللبناني إلى مرآة تعكس هذا التشكيك، ولو بصيغة السؤال، ليحسم وزير الخارجية السورية الدكتور فيصل المقداد الجواب بقوله، سورية لم تغِب عن قمة عربية، والرئيس الأسد سوف يحضر قمة جدة بالتأكيد.
– قمّة جدة هي قمة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ولذلك فهي سوف تكون قمة الرئيس بشار الأسد، لأن حضور الأسد هو القيمة المضافة التي يريدها ابن سلمان كعنوان للمرحلة العربية الجديدة التي يسعى لرسم معالمها. ووفقاً لـ نظرة بسيطة الى المشهد الإقليمي، تبدو السعودية التي تمتلك مكانة مالية عالمية، وموقعاً استراتيجياً في سوق الطاقة يضعها في مصاف الكبار، قد خسرت حربها في اليمن، وحرب سورية، وحروب لبنان والعراق وفلسطين، وخصوصاً حرب ايران، وهي الحروب التي خاضتها تحت العباءة الأميركية واستنزفت فيها ثروات طائلة ومكانة معنوية، وتمّت تحت عناوين مثل صفقة القرن والوهابية والإبراهيمية، على قاعدة تجاوز الصراع العربي الإسرائيلي وأولوية الصراع الخليجي الإيراني. وفيما تبدو أميركا أضعف من ربح معاركها مع الصين وروسيا وإيران، وتبدو إسرائيل أضعف من ربح معاركها مع فلسطين وسورية وإيران وقوى المقاومة، يريد الأميركي من السعودية تسديد فواتير خسائره وخسائر “إسرائيل”.
– المقاربة السعودية منذ الاتفاق الثلاثي السعودي الإيراني الصيني كانت تمهيداً لهذه المرحلة، مرحلة الأسد وابن سلمان عربياً، ومن بوابة سورية، سياسياً واقتصادياً واستراتيجياً، حيث لا مشكلة لدى السعودية بتحمل أكلاف مدروسة لإطلاق نهضة سورية وإعمارها وإعادة النازحين اليها، وهي تعلم أن الشركات الأوروبية سوف تتسابق على حجز مقاعد في خطة النهوض والإعمار، وأن العقوبات رغم كل الصراخ الأميركي سوف تتهاوى؛ كما تدرك أن الرئيس الأسد سوف يوفر لهذا الاستثمار كل التغطية السياسية المحرجة لنظام العقوبات، فلا عقبات أمام تسهيل التوصل الى تفاهمات سياسية تعلن التوصل إلى حل سياسي مع المعارضة، في ظل تفاهم سعوديّ مصريّ يجلب نصف المعارضة، وتفاهم تركيّ روسيّ يجلب النصف الثاني، بما ينهي الذرائع الغربية وبعض الأصوات العربية التي تردّد وراءها التحفظات. والسعودية تنظر إلى سورية بصفتها الشمال العربي للتشبيك مع روسيا وتركيا وإيران وفتح طرق التجارة وأنابيب الطاقة نحو أوروبا، والعباءة هي العودة إلى المبادرة العربية للسلام بدلاً من صفقة القرن وتجريم الإبراهيمية والانفصال عن الوهابيّة، واستبدال التحريض على إيران وإشهار سلاح المذهبيّة بوجهها بالذهاب الى لغة التعاون والأخوة وطي صفحات الخلاف، كما يبدو من نصوص مقرّرات القمة.
– السعودية تمتلك مكانة استراتيجية ومقدرات تكفيان للتحول إلى لاعب دولي، ولا ينقصها إلا سورية، بما تمثل من موقع في الجغرافيا السياسية، وما يملك الرئيس الأسد من علاقات وتحالفات مع محاور القوة الصاعدة في المنطقة والعالم، ومن رمزية لانتصاراته والمهابة التي راكمها بفعل هذا الصمود وهذه الانتصارات. والواضح من تجاوز التحفظ القطري في اجتماع عودة سورية إلى تجاوزه مجدداً في التحضير للقمة، أن التسارع والعزم لتظهير الثنائي السوري السعودي أعلى مما يقدّر الغرب ويعتقد، وأبعد مما يعلم وزراء الخارجية الآخرون والأمين العام للجامعة وفريقه، وهو مضمون كلام الوزير المقداد عن توجيهات القيادتين بالمضي قدماً الى أبعد مدى، وعدم التطلع إلى الوراء.
– بالمناسبة دعوة لكل محبي سورية وشعبها وأصدقائها، بمن فيهم المشاركون في القمة، صفقوا وقوفاً لدى دخول الرئيس الأسد الى قاعة القمة، فتلك لحظة تاريخية لإعلان انتصار سورية.